أقول: بعد هذه المقتطفات من كلام الإمام الشاطبي عن أن الشريعة أمية، وأنها ودستورها وهو القرآن عربيان بالمعنى المشروح، وكذلك بيان رسولها نبي الهدى صلى الله عليه وسلم، نعود إلى موضوعنا الآن حول ميقات الإحرام الواجب للقادم جوًا بالطائرة لحج أو لعمرة في ضوء ما نقلناه عن الشاطبي رحمه الله، فأقول:
إن النبي صلى الله عليه وسلم قد حدد تلك المواقيت لأهلها، ولمن أتى عليها ومر بها من غير أهلها، وهذا منه بيان وتحديد لقوم أميين، وبلسان عربي مبين، هم أهله الأصليون، وأن علينا وعلى جميع الأجيال المسلمة التي تتلوهم من علماء في الشريعة وفي الطبيعة وفي مختلف العلوم من عرب وأعاجم، علينا أن لا نفهم من نصوص القرآن وكلام الرسول عليه السلام إلا ما يفهمه إذ ذاك أولئك الأميون أهل العربية المخاطبون بها بحسب مألوفهم ومعهودهم وعرفهم، كما يقول الإمام الشاطبي.
وإذا كان كذلك فمن الذي يستطيع أن يزعم أنهم يمكن أن يفهموا من تحديد الرسول لهم تلك المواقيت المكانية أنها شاملة للقادم جوًا بطائرة في مستقبل الدهر إذا اخترع البشر آلة تطير بهم، ومرت بأحد ركابها فوق ميقات أرضي وهو في السماء أو حاذى سمته، من الذي يزعم أنهم يفهمون ذلك، مع العلم أننا أوضحنا قبلاً أن الحديث النبوي المذكور لا يشمل المحاذاة من قريب أو بعيد، بل هو مقصور على أهل تلك المواقيت ومن مر بأحدها، وأن إلحاق المحاذاة لأحد المواقيت بالمرور به فعلاً هو اجتهاد عمر رضي الله عنه.