للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونحن نضع اجتهاد عمر هذا فوق الرأس والعينين – يعني أنا لا أقصد أن أخالف اجتهاد عمر حاشا لله – ونحن نضع اجتهاده هذا فوق الرأس والعينين، وهو معقول في ذاته؛ لأن ما تقتضيه حرمة البيت المعظم من أن يتهيأ من يقصده لحج أو لعمرة بالإحرام أن يتهيأ له بالإحرام قبل الوصول إليه، هو مما ينبغي أن يستوي فيه كل قاصد، سواء مر بالميقات الذي حدده رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو جاء من طريق أخرى لا تمر به، فجعل المحاذاة لأحد المواقيت هي الحد لغير من يمر بالميقات هي قياس معقول مبني على علة متحددة.

ولكن هذا القياس السليم لا يجوز أن يخرج عن أرضية المسألة، وهي أن تلك المواقيت التي حددها الرسول صلى الله عليه وسلم لا يفهم منها أهل اللسان الذين خوطبوا به إلا أنها لأهلها، أي للساكنين فيها، ولمن يمر بها المرور المعتاد الذي لا يعرفون سواه، وهو المرور بها في موقعها على سطح الأرض؛ لأن هذا هو ما تدل عليه لغتهم التي خوطبوا بها حين قال لهم الرسول عن هذه المواقيت: ((هن لأهلهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)) ، ولا يمكن أن يتصور أحدهم إذ ذاك مرور أحد من فوق الميقات وهو طائر في الجو.

وقد رأينا آنفًا قول الشاطبي رحمه الله: "أنه لابد في فهم الشريعة من اتباع معهود الأميين، وهم العرب الذين نزل القرآن بلسانهم، وأنه لا يصح أنه يجرى في فهمها على ما لا يعرفونه، وأن هذا جاز في المعاني والألفاظ والأساليب" إلى آخره.

<<  <  ج: ص:  >  >>