للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التأمل الدقيق لفقه الحديثين، وتفهم معناهما في ضوء ما كتبه المحدثون الفقهاء سوف يكشف الحقيقة، ويميط اللثام عن العلاقة بينهما وبين عقد التوريد إما بالتوافق والانسجام، وإما بالتعارض والتضاد، وهو ما يتبين خلال المناقشة والعرض التاليين:

١- بالنسبة للحديث الأول الذي يتضمن النهي عن بيع الدين بالدين يجانب عنه:

أ- أن عقد التوريد ليس من قبيل بيع الدين بالدين؛ ذلك أن الدين شغل ذمة أحد المتتابعين للآخر بدين، وليس هذا في عقد التوريد من الدين بشيء، وإنما هو في حدود الاتفاق والوعد لا يتجاوزهما العقد، فمن ثم يظل العقد جائزًا قابلًا للفسخ حتى يتم تسليم المبيع، ومقتضى هذا العقد (عقد التوريد) تأجيل دفع الثمن حتى يتم تسليم البضاعة إلا أن يكون المشتري متطوعًا بتقديمه اختيارًا.

ب- (النهي عن بيع الكالئ بالكالئ) : معناه، كما ذكره المحدث الفقيه علي بن سلطان محمد القاري نقلًا عن النهاية: " وذلك أن يشتري الرجل شيئًا إلى أجل فإذا حل الأجل لم يجد ما يقضي فيقول: بعنيه إلى أجل آخر بزيادة شيء فيبيعه منه، ولا يجري بينهما تقابض، ... . . وقيل: هو أن يبيع الرجل دينه على المشتري بدين آخر للمشتري على ثالث. ذكره الطيبي.. . . " (١) .

قال العلامة محمد بن إسماعيل الصنعاني في شرح حديث ابن عمر رضي الله عنهما " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ يعني الدين بالدين ":

" وظاهر الحديث أن تفسيره بذلك مرفوع، والكالئ من كلأ الدين كلوءًا فهو كالئ إذا تأخر، وكلأته إذا أنسأته، وقد لا يهمز تخفيفًا، قال في النهاية: هو أن يشتري الرجل شيئًا إلى أجل فإذا حل الأجل لم يجد ما يقضي به، فيقول: بعنيه إلى أجل آخر بزيادة شيء فيبيعه، ولا يجري بينهما تقابض، والحديث دل على تحريم ذلك، وإذا وقع كان باطلا" (٢)

اتضح من النصوص السابقة أن هذا الحديث له معنى معين تناقله المحدثون وأقروه، ولا يندرج ضمن معناه (عقد التوريد) ولا يدل عليه منطوقًا ولا مفهومًا حسبما تقدم.


(١) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، قدم له خليل الميس، مكة المكرمة: المكتبة التجارية: ٦ / ٨٦.
(٢) سبل السلام شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام، مصر: مطبعة الاستقامة، عام ١٣٥٧ هـ: ٣/١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>