للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الثالث

تمام الاستدلال

تمام الاستدلال لأحكام النوازل والواقعات والعقود الجديدة يقتضي سلامتها وخلوها من معارضة نص صريح، أو قاعدة شرعية ثابتة، أو مقصد من مقاصد الشريعة.

إذا سلم الاستدلال لإباحة عقد التوريد في الصيغة والصور المقبولة شرعًا فتمامه خلوه من معارضة نص صريح.

والذي يبدو ظاهرًا أن القول بصحة عقد التوريد وإباحته تعارض مع نصين صريحين قررا مبدأين ثابتين في الشريعة الإسلامية:

أحدهما: أنه يتضمن بيع الدين بالدين المنهي عنه شرعًا في حديث رواه ابن عمر ورافع بن خديج رضي الله عنهما: " أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الكالئ بالكالئ) ، وفي رواية ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ، وقال: ((هو النسيئة بالنسيئة)) ، قال الحاكم، حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه " (١) .

وعقد التوريد في صيغته وصوره يتضمن ظاهرًا بيع الدين بالدين: البائع يبيع سلعته بثمن مؤجل، يمثل دائنية الثمن في ذمة المشتري، والمشتري يشتري السلعة لا يدفع الثمن، يمثل دائنية المبيع في ذمة البائع، كلاهما مدين ودائن للآخر باعتبارات مختلفة.

ثانيهما: بيع المعدوم الذي ورد النهي عنه في حديث الصحابي الجليل حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: " نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبيع ما ليس عندي " رواه الترمذي في رواية له (٢) ، ولأبي داود والنسائي: " قال: قلت يا رسول الله: يأتيني الرجل فيريد مني البيع وليس عندي، فأبتاع له من السوق؟ قال: ((لا تبع ما ليس عندك)) (٣) .


(١) الزيلعي، جمال الدين أبو محمد عبد الله، نصب الراية لأحاديث الهداية، الطبعة الأولى، مصر: مطبعة دار المأمون، عام ١٣٥٧ هـ ١٩٣٨ م: ٤ / ٣٩ – ٤٠.
(٢) جامع الترمذي مع عارضة الأحوذي، الطبعة الأولى، مصر: المطبعة المصرية الأزهرية، عام ١٣٥٠ هـ - ١٩٣١م، باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك: ٣ / ٥٤١.
(٣) سنن أبي داود، مراجعة وتعليق محمد محيي الدين عبد الحميد، بيروت: دار إحياء التراث العربي: ٣ / ٢٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>