للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم – كما هو معروف – لا يرغب أن يقرر أحكامًا مسبقة لأمور غير واقعية، حتى إنه لم يكن يرغب أن يسأل عما سكت عنه، بل كان يترك ذلك للاجتهاد في ضوء سنته الشريفة ومقاصد الشريعة المستفادة من كتاب الله تعالى الحكيم، وخاصة منها دفع الحرج، كما نَوّه به القرآن العظيم. ومعروفة قصة الصحابي الذي سأل عن الحج حين أوجبه الله على من استطاع إليه سبيلاً: أفي كل عام يا رسول الله؟ فقال له: ((لو قلت: نعم، لوجب عليكم، ولما استطعتم)) . وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح أحاديثه: ((إن الله حد حدودًا فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم فلا تسألوا عنها)) أي لا تسألوا عنها قبل وقوعها، فإذا وقعت فاجتهدوا برأيكم وعلمكم، أو اسألوا عندئذ أهل الذكر والعلم، أي بعد وقوعها، وليس المراد عدم السؤال عنها أبدًا، إذ لو وقعت في مستقبل الزمن واحتيج إلى معرفة حكم الشرع فيها لا بد حينئذ من السؤال عنها والبحث فيها لمعرفة ما يجب بشأنها في ضوء أدلة الشريعة.

ففي ضوء ما تقدم يتبين أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحدد أيضًا ميقاتًا بحريًا؛ لأن المجيء للحج والعمرة إذ ذاك في حياة الرسول عليه السلام لم يكن بالسفن من جهة البحر الأحمر – بحر القلزم – فيبقى حكمه في المستقبل للاجتهاد أيضًا، إذا قَدّر الله للإسلام أن يمتد غربًا إلى أفريقية، كما حصل فيما بعد، والحمد لله.

<<  <  ج: ص:  >  >>