ووقع خلاف داخل أعلام المذهب المالكي حول الوقت الذي يعتبر بداية للعمل الموقوف على شرط، فقال اللخمي بلزوم تقديم الحكم على شرطه، ولابن يونس أنه إذا قال: أنت طالق اليوم إن كلمت فلانًا، فإن فئة قالوا باللزوم عند كلامها لمحل الشرط في الوقت الذي حصل فيه الكلام، وقال آخرون بوقوع الطلاق من وقت صدور الشرط من المشترط، ومن هذه الصور عند المالكية أنه إن قال لها:" إن تزوجتك فأنت طالق غدًا، فإن تزوجها قبل الغد طلقت عليه، وإن تزوجها بعد الغد لم تطلق "(١) .
وهذا الحكم وجيه من حيث المبرر الشرعي، فزواجه بها اليوم على شرط طلاقها غدًا، فيه أنه عقد الزواج عليها بما يخالف طبيعته، التي هي نية الاستمرار، وعقده بنية الطلاق غير جائز لدى جميع فقهاء الشريعة، مع أن فوات الوقت الذي أوقف عليه الطلاق وعقده عليها بعده دليل على تراجعه عن شرطه.
ومن الأحكام التي قال بها القرافي هي أن المقدرات لا تنافي المحققات بل تجتمعان، وتثبت مع كل واحدة لوازمها وأحكامها، ويشهد لذلك مسائل:
أحدها: أن الأمة إذا اشتراها شراء صحيحًا أبيح له وطؤها، حتى يظهر العيب، الذي يجب الرد، وعند المالكية الرد بالعيب نقض للعقد من أصله، كما هو الحال بالنسبة لإبطال العقد القابل للإبطال عند أصحاب القوانين المدنية فإذا تم نقضه، ارتفعت الإباحة المترتبة عليه وجميع آثاره في حكم العدم، وإن كانت موجودة ولا تنافي بين وجود الشيء حقيقة، وعدمه حكمًا، كقربات الكفار والمرتدين، إنها موجودة حقيقة ومعدومة حكمًا، والنية في الصلاة من بدايتها إلى آخرها، موجودة حكمًا ومعدومة حقيقة عكس الأول، وكذلك الإيمان والإخلاص وغيرها يحكم بوجودها، إن عدما عدما حقيقيًّا.
النقطة الثانية: من هذه الصور التي درس القرافي تحتها أحكام شرط الجزاء هي: إثبات الشيء يؤدي إلى نفيه، وضرب لذلك مثلًا بمن قال لزوجته: إن طلقت فأنت طالق قبل ذلك ثلاثًا، فالجمهور على أنه يلزمه طلاق الثلاث وذهب الغزالي إلى أنه لا شيء عليه، إذ نسب لابن الحداد أنه لو وقع لوقع مشروطه، وهو تقدم الثلاث ولوقع مشروطه لمنع وقوعه، لأن الثلاث تمنع ما بعدها فيؤدي إثباته إلى نفيه، فلا يقع، وقال أبو زيد: يقع المنجز، ولا يقع المعلق، لأنه علق على محال، وقيل: يقع في المدخول بها، وهذه تسمى مسألة الدور، ويستخلص منها إمكانية شرط الشرط مع حصول السبب لأن حكمة السبب في ذاته، وحكمة الشرط في غيره، فإذا لم يمكن اجتماعه معه لم تحصل فيه حكمته.