ويستنتج من هذه الأقوال: أن الشرط اصطلاحًا هو كل أمر ربط به غيره عدما لا وجودًا، وهو خارج عن ماهية المشروط، ولذا فعدم الشرط يستلزم عدم الأمر المشروط، أما وجود الشرط فلا يستلزم عدم المشروط له، ويتشابه الشرط والسبب في بعض الصور، ولكنهما يختلفان من حيث إن الارتباط بين الشرط ومشروطه، إنما هو العدم، أما الارتباط بين السبب ومسببه فهو الوجود، والعدم إذا ترتبط به الواقعة الشرعية عدمًا ووجودًا، ولذلك فالسبب متى وجد، وكان مستوفي الشرائط منتفى الموانع، لابد أن ينتج الحكم المسبب عنه بخلاف الشرط، فإن وجوده لا يوجب وجود المشروط، والشروط بوجه عام إنما هي مكملات للأمور المشروطة في نظر الشارع، كتكميل الصفة للموصوف، بحيث إن عدمها يخل بالمقاصد الشرعية للأحكام، فالقدرة على تسليم المبيع مكملة للبيع الذي هو سبب التملك، ولذا كانت القدرة شرطًا في كمال البيع.
ومن خلال تحليلنا لأحكام الشرط نرى القرافي في كتابه (الفروق) تعرض لهذا الموضوع، بما أزال كثيرًا من الغموض الذي يمكن أن يتسرب إلى ذهن القارئ، فوضح القرافي في (الذخيرة) الفرق الحاصل بين الشرط اللغوي وغيره، قائلًا بأن الشروط اللغوية قاعدة مباينة للشروط الأخرى، وتتجلى تلك الفروق إذا نظرنا تحليله للشرط من خلال بارتباطه بالسبب والمانع، والمقارنة بين هذه المعاني توضح الفرق الشاسع بنيها ضمن ملازمتها للعقد، وطبيعة ارتباط كل واحد منها به ارتباطًا مغايرًا سبق أن أشير إلى تعريفه، وأما الشروط اللغوية عند القرافي فهي التي ينجم عنها الجزاء المقترن بتحقيقها، كقول الزوج لزوجته، إن دخلت الدار فأنت طالق، فيلزم من الدخول الجزاء الذي هو الطلاق، ومن عدم الدخول عدمه، إلا أن يخلفه سبب آخر، كالإنشاء بعد التعليق، وهذا هو شأن السبب إذا ينشأ من عدمه العدم، إلا أن يخلفه سبب آخر.
وغاية القرافي من هذه الأمثلة التي أوجزناها هنا هو أن الترابط في بعض الحالات بين الموضوعين يمكن أن يتم عن طريق الاشتراك لأنه مستعمل فيهما، والأصل في الاستعمال الحقيقة، ويمكن أن يتم عن طريق المجاز في أحدهما وهو أرجح عنده من الاشتراك، ويمكن أن يتم بطريق التواطؤ باعتبار قدر مشترك بينهما وهو توقف الوجود على الوجود مع قطع النظر عما عدا ذلك.
ثم إن الشرط اللغوي يمكن التعويض عنه، والإخلاف والبدل، كما إذا قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا، ثم يقول لها: أنت طالق ثلاثًا فيقع الثلاث بالإنشاء بدلا من الثلاث المعلقة، فيمكن إبطال شرطيته، كما إذا أنجز الأمر، دون توقف على حصول الشرط.