للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأرجع الأصوليون الشروط المعتبرة شرعًا إلى ضربين:

١) ما كان راجعًا إلى خطاب التكليف وهو إما أمر الشارع بتحصيله، كالطهارة للصلاة أو نكاح المحلل دون نية التحلل والمفارقة العادية، وما يترتب عليه من إمكانية رجوع الزوجة لزوجها الأول، فإذا وقع بنية التحليل كان جزاؤه الفساد على المحلل والمحلل له.

٢) خطاب الوضع، وهذا الذي نظم الشارع أحكامه، أزال عنه صفة الإلزام إذا لم يتداول الطرفان في شأن طبيعة ذلك الإلزام، ثم منح صاحب الإرادة المنفردة حق الاختيار بين بعض الحالات، التي لم تخل بدأ الشرط ذاته، قال الشاطبي في هذا المجال ما مضمونه:

فهذا الضرب ليس للشارع قصد في تحصيله من حيث هو شرط، ولا في عدم تحصيله، فإبقاء النصاب حولًا حتى تجب الزكاة، ليس بمطلوب الفعل حتى يقال يجب على صاحبه إمساكه لتجب عليه الزكاة فيه، ولا مطلوب الترك، حتى يقال عليه إنفاقه خوفًا أن تجب فيه الزكاة، ولذا فإذا كان الشرط داخلًا في خطاب التكليف، وجب عليه الفعل، وترتب عليه الجزاء بمجرد الإخلال بالشرط بدون عذر، إن كان داخلًا في خطاب الوضع، كان الخيار ما لم يلتزم تحت نص شرط محدد، فعندئذ يكون الإخلال به سببًا في الجزاء الذي يمكن من تنفيذ الالتزام وفق وصف الشرط الذي أبرمت المعاملة تحت طائلته، وعادة يحمل العقد نفسه صفة الجزاء التي يجب الحكم بها عند الإخلال بالشرط، الذي توقف عليه تنفيذ العقد، وعندها ينحصر دور القاضي في الحكم بضرورة تنفيذ الإرادة السلمية للمتعاقدين، وإلى هذا المبدأ أشار الحديث الشريف: ((لا يجمع بين مفترق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة)) .

وكذلك الحديث الآخر: ((البيعان بالخيار حتى يفترقا، إلا أن تكون صفقة خيار، ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله)) , وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٩] .

<<  <  ج: ص:  >  >>