للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما نقله الحطاب عن أبي إسحاق التونسي، وجه الاستدلال به أن هذا الفقيه جعل من لم يمر بالميقات، وجهل المحاذاة ممن وصف يحرم بالتحري والتقدير، ولم يلزمه بالذهاب إلى الميقات؛ دفعا للمشقة وتيسيرا على ذوى النسك، كما حد عمر رضي الله عنه ذات عرق لأهل العراق لما شق عليهم قرن المنازل، أفلا نرخص لركاب الطائرات من ذوى النسك، وهم الذين لا يمرون بالميقات بالأرض أصلا، ولا تتصور منهم محاذاة، أن يحرموا من جدة حين يحاذون قرن المنازل محاذاة بعيدة مع العلم أني لم أر في كتب المالكية والحنابلة والشافعية من اشترط القرب من المحاذاة، وحين قال ابن نجيم في البحر: " ولعل مرادهم بالمحاذاة القريبة من الميقات " تعقبه محشيه ابن عابدين ردا عليه بما قاله أخوه (عمر بن نجيم) في النهر "من لم يمر على المواقيت يحرم إذا حاذى آخرها، قربت المحاذاة أو بعدت "، وقواعد المذهب المالكي لا تأباه، بل ربما يستروح ذلك من تقييد سند القائم على التفريق بين من يساحل الجحفة كالمسافر في بحر السويس، وبين من لا يساحل كالمسافر في بحر عيذاب.

هذا وقد أفتى علم مشهور من أعلام المالكية في العالم الإسلامي الأستاذ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور رحمة الله عليه المسافر إلى الحج في المركبة الجوية بالإحرام من جدة؛ معتمدًا بالدرجة الأولى في فتواه المشار إليها في النقطة الأولى من هذا المبحث تقييد سند بن عنان لقول مالك الذي يرويه ابن أبي زيد في النوادر عن ابن المواز عن مالك أنه قال: " ومن حج في البحر من أهل مصر، وشبههم إذا حاذى الجحفة " الذي وسعت القول فيه في النقطة التاسعة من المبحث الرابع.

ويظهر أنه قاس من في الطائرة على المحاذي في اللجنة ولا يستطيع النزول إلى البر كالمسافر في بحر عيذاب، وما استظهرته هو الذي أكده بوضوح سماحة الشيخ الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة – دام حفظه – حيث قال " إن المسافر في الطائرة لا يمر بالميقات بالأرض أصلا، ولا يتصور فيه إمكان النزول إلى البر قبل الوصول إلى مركز الميناء الجوي المعد لنزول الطائرة، فأشبه حاله حال من سافر في بحر لا يحاذي الشواطئ مثل بحر الهند، وبحر اليمن، وبحر عيذاب ".

قال سند: من أتى بحر عيذاب حيث لا يحاذي البر، فلا يجب عليه الإحرام في البحر، إلى أن يصل إلى البر، ولا يلزمه بتأخير الإحرام إلى البر هدي.

وهذا هو الذي نراه، وهو ما أفتى به شيخنا المقدس المبرور محمد الطاهر ابن عاشور رحمة الله عليه إلخ الفتوى التي أشرت إليها في النقطة الأولى من نقاط هذا المبحث.

وأما في المذهب الشافعي فيبدو أن ما قرر في حق من سلك طريقا لا ميقات فيه من بر أو بحر، ولم يحاذ ميقاتًا أحرم على مرحلتين من مكة.

<<  <  ج: ص:  >  >>