نصوص فقهاء الإسلام ترخص للقادمين جوا في تأخير الإحرام إلى جدة
هذه المسألة من المسائل المستحدثة، فلا توجد صرائح النصوص الدالة عليها بصريح العبارة، ولكن بقرب من التخريج غير المتكلف نجد نصوص الفقه ترخص للقادمين إلى جدة بطريق الجو في الإحرام منها.
ففى المذهب الحنفى: إذا ثبت أن راكب الطائرة لا يمر بالميقات أصلاً؛ لأن الميقات أرضي وهو لا يمر بالأرض، ولا يحاذيه من باب أولى، لأن المحاذاة المسامتة ميامنةً أو مياسرةً فحسب، فقد نص فقهاء هذا المذهب على حكم من لم يمر بالميقات وجهل المحاذاة، فقال خاتمة المحققين العلامة ابن عابدين: فإن لم يعلم المحاذاة فعلى مرحلتين من مكة، ووجهه أن المرحلتين أوسط المسافات، وإلا فالاحتياط الزيادة.
ومن انعدم عنده المرور بالميقات؛ لأنه طائر في أجواز الفضاء وفوق السحاب، ولا تتصور بالنسبة إليه محاذاة، أولى أن يحرم قبل مكة بمرحلتين وجدة تبعد عن مكة بمرحلتين.
وأما في المذهب المالكي فقد سبق أن نقلنا ما نقله صاحب المدخل في مناسكه عن ابن نافع رواية عن مالك أنه قال:" لا يحرم في السفن " بإطلاق، وعلق الأستاذ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور رحمة الله عليه على هذه القولة فقال:" وهذا يحتمل وجوب النزول إلى الميقات وفيه مشقة ينبغى نفيها عن الدين، ويحتمل أن يريد أنه يرخص له تأخير الإحرام إلى النزول إلى الأرض "، وأنا أقول: والاحتمال الثانى هو الذي يتناسب مع المقصد الشرعي الذي ردده مالك في مواضع كثيرة من الموطأ؛ أن " دين الله يسر " وأيضا فما يدعمه ما نقله ابن ناجي في شرحه على رسالة ابن أبي زيد القيرواني حيث قال: " ذَكر لى بعض أشياخي أن في المذهب قولا آخر أنه يؤخر الإحرام إلى البرّ "، وابن ناجي ذكر أنه إذا قال: قال بعض شيوخى، فالمقصود ابن عرفة، نقادة المذهب المالكى، ونقل الحطاب في مواهب الجليل عن أبي إسحاق التونسي أنه قال: " ومن كان بلده بعيدًا عن الميقات، مشرقا عن الميقات أو مغربا عنه، وإذا قصد إلى الميقات شقّ عليه ذلك، لإمكان أن تكون مسافة بلده إلى الميقات مثل مسافة بلده إلى مكة، فإذا حاذى الميقات بالتقدير والتحري أحرم ولم يلزمه السير إلى الميقات (١) .