وركاب الطائرات لا يمرون بالميقات بالأرض أصلا، ولا يحاذون، إذ المحاذاة كما فسرها شيخ الإسلام زكريا الأنصارى الشافعي في شرحه على منهج: المسامتة بيمينه أو يساره، وأكملها محشيه سليمان الجمل فأضاف إلى تيسيره قوله:" لا بوجهه، ولا بظهره؛ لأن الأول أمامه، والثانى وراءه، ومن هنا يحرمون على مرحلتين من مكة، وجدة تبعد عن مكة بمرحلتين.
وكذلك الشأن في المذهب الحنبلى، يقول البهوتي في كشاف القناع عن متن الإقناع: " وإحرام من لم يحاذ ميقاتا بقدر مرحلتين عن مكة ".
هذا ما اهتديت إليه من تخريج لقضية البحث: " الإحرام من جدة لركاب الطائرات " والله أسأل أن يكون صوبا من فضله جل جلاله.
ولا يفوتني هنا أن أشير إلى كثرة ما صدر في هذه القضية من فتاوى يتسنى تقسيمها إلى ثلاثة أقسام:
١- القسم الأول يجيز بإطلاق غير راء على المحرم من جدة إثما ولا دما، ومن هؤلاء محمد الطاهر ابن عاشور رحمة الله عليه وسماحة الشيخ الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة، والشيخ محمد المهيري من تونس والشيخ عبد الله كنون من المغرب، والشيخ بيوض إبراهيم بن عمر من بني ميزاب من الجزائر، والشيخ عبد الله بن زيد آل محمود، والشيخ عبد الله الأنصارى من قطر، ولجنة الفتوى بالأزهر الشريف في تصحيحها لفتوى المرحوم الشيخ جعفر بن أبي اللبني الحنفي المدرس بالحرم المكي لركاب السفن في الإحرام من جدة، والتي نشرها في شكل رسالة سماها: " دفع الشدة بجواز تأخير الآفاقي الإحرام إلى جدة "، وطبعت في الأستانة سنة ١٣٢٧ هـ، وغيرهم.
٢-المجيز بتقييد وهو القائل بنفي الإثم ولزوم الهدي، ولم أطلع على فتوى من هذا القبيل، ولكن رأيت ذلك في " أسهل المدارك شرح إرشاد السالك في فقه إمام الأئمة مالك " لأبي بكر بن حسن الكشناوي من العلماء المعاصرين يقول: " قد أفتى العلماء المعتبرون من أهل العصر بوجوب الهدي على من تعدى الميقات على الطائرة وغيرها من المركوب الحادث".