للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبناء على ذلك أقول: قد سبق لنا أن الحسن وعطاء والنخعي لم يروا في مجاوزة الميقات بدون إحرام شيئا، أي أثما أو دما، وناهيك بهؤلاء من خيرة فقهاء التابعين، وروى ابن نافع عن مالك أنه قال رحمه الله: " ولا يحرم في السفن "، وعلق عليه الأستاذ الإمام المغفور له محمد الطاهر بن عاشور بقوله: وهذا يحتمل وجوب النزول إلى الميقات وفيه مشقة ينبغي نفيها عن الدين، ويحتمل أن يريد أنه يرخص له تأخير الإحرام إلى النزول إلى الأرض " (١) ، وأنا أقول: والاحتمال الثانى هو الذي يتناسب مع المقصد الشرعي الذي ردده مالك في مواضع من الموطأ أن " دين الله يسر " هذا أولا.

وثانيا قال ابن ناجي في شرحه على رسالة ابن أبي زيد القيروانى: " ذكر لى بعض أشياخي أن في المذهب قولا آخر، أنه يؤخر الإحرام إلى البر " (٢) ، وابن ناجي يقول في مقدمة شرحه المذكور: " مهما عبرت ببعض شيوخنا، فهو الشيخ الفقيه العالم الصالح التقى الزاهد أبو عبد الله محمد بن الشيخ الصالح المجاور المرحوم أبي عبد الله محمد بن عرفة الورغمى " (٣) ، وقال ابن حزم أما المدرسة الظاهرية بالأندلس: " ومن كان طريقه لا تمر بشيء من هذه المواقيت فليحرم من حيث شاء برا أو بحرا " (٤) .

فإذا تخيرتُ هذه الأقوال الميسرة وما شاكلها، وجنحتُ إلى القول بترخيص الإحرام من جدة للأفقيين القادمين بطريق الجو، أفعليَّ حرج في ذلك؟ خصوصا وأن القادمين بطريق الجو لا يتأتى منهم المرور بالميقات، كما جاء في فتوى الأستاذ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور حيث يقول: " أما المسافر في الطائرة فهو لا يمر بالأرض أصلا " (٥) ، وأكد ذلك سماحة الشيخ الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة – دام حفظه – في فتواه في نفس الموضوع، فقال: " إن المسافر في الطائرة لا يمر بالميقات بالأرض أصلا " (٦) وغيرهما كثير مشرقا ومغربا، لكن لم أر لواحد تعليلا في عدم اعتبار من طار فوق الميقات مارا به.

ويبدو لي أن حديث المواقيت جاء فيه ((هن لهن، ولمن أتى عليهن)) ، و (على) في كلام العرب تفيد الاستعلاء، وهو كما قال ابن هشام: أما على المجرور كقوله تعالى: {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} [غافر: ٨٠] ، أو على ما يقرب منه، نحو: {أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى} [طه: ١٠] وقوله:

وبات على النار الندى والمعلق

(٧) .


(١) محمد الطاهر ابن عاشور. إحرام المسافر إلى الحج في المركبة الجوية، والهداية: عدد ٢ س ٥ ذو القعدة ١٣٧٩ هـ/٢١.
(٢) ابن ناجي. شرح الرسالة: ١/٣٤٧.
(٣) المرجع السابق: ١/٤.
(٤) المحلى: ٧/٧١.
(٥) محمد الطاهر ابن عاشور إحرام المسافر إلى الحج في المركبة الجوية الهداية: عدد ٢ س ٥ ذو القعدة ١٣٧٩ هـ./٢١.
(٦) محمد الحبيب ابن الخوجة فتاوى الهداية. الهداية. عدد ٦ س ٤ رجب ١٣٩٧ هـ - ٩١.
(٧) المغني: ١/١١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>