للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢- ما أقره الفقهاء قاعدةً أساسية من قواعد الفقه الإسلامي: المشقة تجلب التيسير، وقد ذكر السيوطى " أن على هذه القاعدة خرجت جميع رخص الشرع وتخفيفاته، كما ذكر أن أسباب التخفيف في العبادات وغيرها أولها: السفر، وهو نوعان: طويل وغير طويل، ورخصه ثمانية على ما قال النووى، وهي تنقسم - باعتبار طول السفر وقصره - أربعة أقسام:

١-ما يختص بالسفر الطويل: القصر، والفطر.

٢-ما لا يختص به قطعا: وهو ترك الجمعة، وأكل الميتة.

٣-ما فيه خلاف والأصح اختصاصه به، وهو الجمع.

٤-ما فيه خلاف والأصح عدم اختصاصه كالتنفل عن الدابة ونحوه (١) .

والحج سفر طويل على كل المذاهب في تحديد السفر الطويل، فيه من المشاق المادية والمعنوية ما وصفت سالفا، ولو كان بالطائرة أفلا يكون هذا السفر مدعاة للتخفيف واليسر، وهما روح الحنيفية السمحة المبنية على نفي الحرج والضيق.

والعجب أن فقهاءنا المعاصرين يفتون المسافر بالقصر والفطر والجمع طريقا ومكوثا بالنزل الفاخرة لا يقطع السفر، وبعضهم لا يفتيه بتأخير إحرامه إلى جدة، معرضا صفحا عما يعانيه من المشاق، مقترحا تقديم إحرامه من دويرة أهله، أو من المطار في بلده، غير مراع ما يحصل من المشاق المادية والنفسية، وبخاصة الجنسية في الطائرة، وبعد النزول كما وصفت، أو غير حاسب حسابا للطبائع البشرية هذا أولا.

وثانيا: فقد أنكر عمر على عمران بن حصين إحرامه من البصرة، وأنكر عثمان على عبد الله بن عامر إحرامه من خرسان، قال الحافظ ابن عبد البر: وهذا من هؤلاء – والله أعلم – كراهة أن يضيق المرء على نفسه ما وسع الله عليه، وأن يتعرض لما لا يؤمن أن يحدث في إحرامه، وقال عطاء: انظروا هذه المواقيت التي وُقتت لكم فخذوا برخصة الله فيها، فإنه عسى أن يصيب أحدكم ذنبا في إحرامه، فيكون أعظم لوزره، فإن الذنب في الإحرام أعظم من ذلك. وعن سفيان بن عيينة قال: قال رجل لمالك بن أنس: من أين أحرم؟ قال: أحرم من حيث أحرم صلى الله عليه وسلم. فأعاد عليه مرارًا، وقال: فإن زدتُ على ذلك. قال: فلا تفعل، فإني أخاف عليك الفتنة. قال: وما في هذا من الفتنة؟ إنما هي أميال أزيدها. فقال مالك: قال الله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: ٦٣] ، قال: وأى فتنة في هذا؟ قال: وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك أصبت فضلا قصر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ترى اختيارك لنفسك في هذا خير من اختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم (٢) .


(١) الأشباة والنظائر: ٧٧.
(٢) الحطاب مواهب الجليل: ٣/٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>