للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونحن نعلم أن الخصام من محظورات الإحرام، فعلينا بالتدبر والاعتبار في هذا كله واضعين نصب أعيننا أن السماحة أول أوصاف الإسلام وأكبر مقاصده، وأن الإسلام قد حافظ على استدامة السماحة وقدر لها إن عرض لها عارض من العوارض الزمنية أو الحالية ما يصيرها مشتملة على شدة، انفتح لها باب الرخص المشروع بقوله تعالى {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: ١٧٣] وبقوله عليه الصلاة والسلام: ((إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه، كما يحب أن تؤتى عزائمة)) (١) ، (٢) ، أفلا يكون من اليسر مع هذا المقصد أن نيسر على حجاج البيت وعماره بواسطة الطائرات، فنرخص لهم في الإحرام من جدة، فذلك ما تقتضيه الفطرة السليمة التي تأبى الإعنات والشدة، وذلك ما يستلزمه عموم الإسلام وخلوده من نفي الضيق والحرج على هذه الأمة، قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: ٢٨] ، وقال تبارك وتقدس: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] ، وقال الجصاص: قال ابن عباس: مِن ضيق، وكذلك قال مجاهد، ويحتج به في كل ما اختلف فيه من الحوادث إن أدى إلى الضيق فهو منفي، وما أوجب التوسعة فهو أولى " (٣) وقال الشاطبي في عديد من المواضع من كتاب المواقيت: " إن الأدلة على رفع الحرج في هذه الأمة بلغت مبلغ القطع " (٤) .


(١) راجع مبحث السماحة في كتاب " أصول النظام الاجتماعى في الإسلام " للأستاذ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور: ٢٧.
(٢) ابن حجر العسقلاني. بلوغ المرام مع سبل السلام كتاب الصلاة باب صلاة المسافر: ٢/٢٨.
(٣) أحكام القرآن: ٣/٢٥١.
(٤) الشاطبي. الموافقات: ١/٢٠٣- ٢٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>