للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يجب التنبيه عليه أن النقل لقول سند ساده الغموض والإجمال عند جماعة من فقهاء المالكية، ومن بينهم العلامة خليل بن إسحاق الذي نقل في مناسكه ما يلي: ومن سافر في البحر أحرم أيضًا في البحر إذا حاذاه على ظاهر المذهب، خلافا لسند في قوله: يحرم إذا وصل البر، خوفا من أن ترده الريح فيبقى محرما، وهو ظاهر من جهة المعنى ونقل ابن الحاج عن ابن نافع مثل قول سند فقال: وقال ابن نافع: لا يحرم في السفن، ورواه عن مالك.

ونلاحظ على ما نقله خليل ملاحظتين:

١- أنه في قول سند أجمل ولم يبين، كما بينا سابقا.

٢- أنه تقييد سند لما نقله ابن المواز عن مالك، ليس كقول ابن نافع من كل وجه.

لكنه في توضيحه نقل تقييد سند المذكور ولم يتعقبه بأنه خلاف ظاهر المذهب كما قال في مناسكه، وكذلك القرافى في ذخيرته، وابن عرفة، والتادلى، وابن فرحون في شرحه على جامع الأمهات وفي مناسكه، وقال الحطاب: ظاهر كلامهم أنهم قبلوا تقييد سند لكلام مالك بما ذكر، وهذا هو الظاهر، وقد شاهدت الوالد (محمد بن عبد الرحمن الحطاب) يفتي بما قاله سند غير مرة، والله أعلم.

بقي إذا أخر إحرامه إلى البر: قال سند: لا يرحل من جدة إلا محرما؛ لأن جواز التأخير إنما كان للضرورة، وقد زالت.

وهل يحرم إذا وصل البر؟ أو إذا ظعن من جدة؟ الوجهان محتملان، والظاهر إذا ظعن؛ لأنه سنه من أحرم، وقصد البيت أن يتصل إهلاله بالمسير.

وهذا التفصيل الذي ذكره سند في جهة الشام في بحر عيذاب وبحر القلزم (السويس) يقال مثله في جهة اليمن والهند، وهذا ظاهر (١) .

وبعد عرضنا لمذهب مالك رضي الله عنه في من حاذى ببر أو بحر، نلاحظ أن فقهاء المالكية اضطربوا في بيان مدلول كلمة محاذاة بين تارك لتفسيرها كالحطاب في مواهب الجليل (٢) ، وبين محدد لها كالشيخ عبد الباقى الزرقاني الذي شرح قول خليل السالف: " وحيث حاذى واحدا، ولو ببحر ": فساوى بمقابلة، أو ميامنة أو مياسرة. وهو تحديد لم يسلم من الخطأ، وقد بين الخطأ محشيه المحقق البناني بقوله: قول الزرقاني: ساوى بمقابلة ... إلخ، بل ميامنة ومياسرة فقط، ولا تتصور المقابلة (٣) ، وفي نفس الخطأ وقع أبو البركات الشيخ أحمد الدردير في شرحيه الكبير (٤) والصغير (٥) ، وفيه وقع الشيخ على العدوى في حاشيته على صغير الخرشى، حيث تابع الخرشي في تفسير حاذى بسَامَتَ، وأضاف إليه: أي سَامَتَ من بُعدٍ بمقابلة أو ميامنة أو مياسرة (٦) ، ولا تتصور المقابلة؛ لأن للميقات سيصل إليه، ويحرم منه، ما لم ينحرف، وأن أحرم حين قابله الميقات، كان إحرامه قبله، وهو جائز مع الكراهة، وإن انحرف وأصبح محاذيا حين الوصول إليه أخذ حكم المحاذي.


(١) الحطاب. مواهب الجليل: ٣/٣٥- ٣٦.
(٢) السابق: ٣/٣٤.
(٣) شرحه على مختصر خليل: ٢/٢٥٢ مع حاشية البنانى عليه.
(٤) الدردير: ٢/٢٣
(٥) الشرح الصغير للدردير: ١/٢٦٦.
(٦) الخرشي: ٢/٣٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>