للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما غير المخاطب به من عبد وصبي وكافر إذا تجاوز الميقات وهو على حالته المذكورة، ثم تغيرت حالته بعد ذلك بأن عتق العبد وبلغ الصبي وأسلم الكافر، فإنهم يحرمون من الموضع الذي تغيرت فيه حالتهم، ولا دم عليهم. وبهذا قال عطاء ومالك والثوري والأوزاعي وإسحاق، وهو قول الحنفية في الكافر يسلم، والصبي يبلغ، وقالوا في العبد: عليه دم، وقال الشافعي: على كل واحد منهم دم، وعن أحمد في الكافر يسلم كقوله، ويتخرج في الصبي والعبد كذلك قياسا على الكافر يسلم؛ لأنهم تجاوزوا الميقات بغير إحرام، وأحرموا دونه، فلزمهم الدم كالمسلم البالغ العاقل.

ودليل الجمهور أن العبد الذي عتق، والصبي الذي بلغ، والكافر الذي أسلم بعد مجاوزة الميقات بغير إحرام، ثم أحرم من موضعه، أنهم أحرموا من المكان الذي وجب عليهم الإحرام منه، فأشبهوا المكي، ومن قريته دون الميقات كبستان بني عامر إذا أحرم منها، ولا يشبهون بحال من خوطبوا بالإحرام قبل الميقات، ثم مروا به وتركوا الإحرام؛ لأنهم تركوا الواجب عليهم (١) .

وأما من لا يريد نسكا أصلا، وهو ممن يخاطب بالإحرام وجوبا، فمذهب الحنفية أن مكة حرام، فلا يجوز لأحد أن يدخلها إلا بالإحرام واستثنى الحنفية من ذلك من لم يرد مكة ولا الحرم، وإنما أراد أن يأتي ما بين الميقات والحرم كبستان بني عامر أو غيره مما هو داخل الميقات لحاجة فلا شيء عليه؛ لأن لزوم الحج، أو العمرة بالمجاوزة من غير إحرام لحرمة الميقات تعظيما للبقعة، وتمييزا لها من بين سائر البقاع في الشرف والفضيلة فيصير ملتزما للإحرام منه، فإذا لم يرد البيت لم يصر ملتزما للإحرام فلا يلزمه شيء.

فإن حصل في البستان، أو فيما وراءه من الحل، ثم بدا له أن يدخل مكة لحاجة من غير إحرام، فله؛ ذلك لأنه بوصوله إلى أهل البستان صار كواحد منهم ولهم أن يدخلوا مكة لحاجة بغير إحرام فكذا له (٢) .

وروى عن أبي يوسف رحمه الله أنه لا يسقط عنه الإحرام ولا يجوز له أن يدخل مكة بغير إحرام، ما لم يجاوز الميقات بنية أن يقيم بالبستان خمسة عشر يوما فصاعدا؛ لأنه لا يثبت للبستان حكم الوطن في حقه إلا بنية مدة الإقامة (٣) .


(١) ابن قدامة. المغني: ٣/٢٦٨ – ٢٦٩.
(٢) الكاساني. البدائع: ٢/١١٦.
(٣) الكاسانى. البدائع: ٢/١٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>