للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النقطة الثامنة

الإحرام بعدها بين الضيق وبين السعة

فائدة نصب المواقيت تعيين الإحرام عندها، فإن أحرم قبلها فقد علمنا ذلك، وإن أحرم بعدها فلا يخلو الحال من أمرين:

١- أن يكون مريدا للنسك، وهو ممن يخاطب بالإحرام وجوبا.

٢- أن لا يريد ذلك، وهو ممن يخاطب بالإحرام وجوبا.

فإن أراد النسك، وتجاوزها غير محرم، فعليه أن يرجع إلى الميقات ويحرم منه، إن تسنى له ذلك، ولا فرق في مجاوزة الميقات بين أن يكون عالما بأنه تجاوزه، وبين أن يكون غير عالم بذلك، وبين أن يكون عارفا بحكم المجاوزة أو جاهلا بالحكم.

فإن رجع إلى الميقات فأحرم منه فلا شيء عليه بلا خلاف (١) ما لم يشارف مكة عند مالك في قول وعليه الدم (٢) ، لأنه أي الذي رجع إلى الميقات قد أحرم من الميقات فكأنه لم يتجاوزه، وكأن شيئا لم يكن.

وإن تجاوز مريد النسك الميقات، وأحرم من دونه، فقد اختلف الفقهاء على أقوال:

١- قال أبو حنيفة: إن رجع إلى الميقات فلبى سقط عنه الدم، وإن لم يلب لم يسقط (٣) .

٢- قال مالك: يتمادى ولا يرجع، وعليه دم تعدي الميقات، ولا يسقط عنه إن رجع، وبقوله قال الثورى وغيره (٤) .

مذهب الشافعية: أن من جاوز الميقات من مريدي النسك غير محرم، وأحرم من دونه فلا شيء عليه قبل تلبسه بنسك ويسقط عنه الدم.

وأما إن عادة بعد تلبسه بنسك، ولو طواف قدوم فلا يسقط الدم عنه لتأدي النسك بإحرام ناقص، وحيث لم يجب بعوده، لم تكن مجاوزته محرمة كما جزم به المعاملي والروياني (٥) .

٤- الحنابلة: إن أحرم من الميقات فلا إشكال كما سلف، وإن تجاوز الميقات بلا إحرام وأحرم بعده من موضع التجاوز فعليه دم وأن رجع.


(١) ابن قدامة. المغني: ٣/٢٦٦.
(٢) ابن عبد البر. الكافى: ١/٢٨١.
(٣) الكاسانى. البدائع: ٢/١٦٥.
(٤) الأبي. إكمال المعلم: ٣/٢٩٨.
(٥) الرملي. نهاية المحتاج: ٢/٢٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>