للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الأصل من الأصول المقطوع بها في الشريعة الإسلامية؛ لأن أدلته في نصوصها كثيرة منتشرة.

وأما الدليل الثاني من أدلة أصحاب القول الأول وهو: أن جمعا من الصحابة والتابعين كانوا يستحبون الإحرام بالحج والعمرة من الأماكن البعيدة ... إلخ، فمردود بإنكار سيدنا عمر على عمران بن حصين إحرامه من البصرة، وبإنكار سيدنا عثمان على عبد الله بن عامر إحرامه من خراسان أو كرمان، وهذا أولا، وثانيا: أن الرسول صلوات الله وسلامه عليه وخلفاءه الراشدين وأصحابه - خلا من ذُكِرَ وهم قلة - لم يفعلوا ذلك، وأحرموا من المواقيت (١) ، وخصوصا أن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس رويا حديثي التوقيت السالفين، فدلت مخالفتهما لما رويا أنهما فقها أن المراد منع مجاوزة المواقيت حلالا، لا منع الإحرام قبلها، وأما الكراهة فلقدر آخر لعلة أخرى (٢) سبق ذكرها في أدلة أصحاب القول الثاني.

وأما الدليل الثالث فمردود؛ لأن حديث أم سلمة رضي الله عنها كما قال ابن المنذر: اختلفت الرواة في متنه وإسناده اختلافا كثيرًا، وضعفه عبد الحق وغيره (٣) هذا أولا، وثانيا: إن سلمنا أن إسناد الحديث جيد كما هو رأي جماعة من الرواة (٤) ، فيحتمل اختصاص هذا ببيت المقدس – أرجعه الله إلى حظيرة الإسلام، آمين – دون غيره، ليجمع الحاج أو المعتمر بين الصلاة في المسجد الأقصى المبارك والمسجد الحرام، في إحرام واحد، ولذلك أحرم ابن عمر منه، ولم يكن يحرم من غيره إلا عند الميقات (٥) ، وثالثا تؤول بأن ينشئ الحاج والمعتمر سفرا من بيت المقدس (٦) .

وأما الدليل الرابع من أدلة أصحاب القول الأول وهو: ما روي عن عمر وعلي رضي الله عنهما في تفسير قوله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦] أنهما قالا: اتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك، فمردود بأن عليا وعمر لم يحرما إلا من الميقات. هذا أولا، وثانيا تؤول مرادهما أن يوجد مريد النسك له سفرا من بلده كما فعل صلى الله عليه وسلم لعمرة الحديبية والقضاء، سفرا من المدينة.

ومما يعضد ما ذكرنا قولنا سابقا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخلفاءه وجماهير صحابته لم يحرموا من دويرة أهلهم، ومنهم علي وعمر (٧) .


(١) ابن قدامة. المغني: ٣/٢٦٥.
(٢) الزرقاني. شرحه على الموطأ: ٢/٢٤١ بتصرف.
(٣) المرجع السابق.
(٤) ابن مفلح. كتاب الفروع: ٣/٢٨٥.
(٥) ابن قدامة. المرجع السابق.
(٦) الصنعاني. سبل السلام: ٢/١٩٠.
(٧) يراجع مغنى ابن قدامة: ٣/٢٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>