الاختلاف سنة الله في الكون، ولم تخلُ منه أمة من الأمم، بما فيها الأمة الإسلامية في جميع عهودها بنوع من أنواعه: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} [هود: ١١٨، ١١٩] ، وهو ليس بمذموم إلا إذا أدى إلى التفرق والتنابذ، وهو المعبر عنه باختلاف القلوب كما في حديث مسلم:((استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم)) ،
وحيث يصبح ذريعة فساد، مع أنه قد يكون - إذا اقتصر على اختلاف الآراء - أداة لتمحيصها، والحيلولة دون الإطباق على ضلال، لأن الاختلاف إذا زال لم يؤمن أن يؤول إلى اتفاق على الباطل:{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ}[البقرة: ٢٥١] .
أنواع الاختلاف:
والاختلاف قد يكون في الأمور المتعلقة في العقيدة وبالقيم العليا (الخلاف في الأصول) ، وقد يقتصر على التطبيقات العملية والسلوكيات (الخلاف في الفروع) ، والمألوف أن يتمخض عن الخلاف في الأصول خلاف في الفروع دون العكس إلا نادرًا، ولذلك كان الاجتماع على منهج واحد في الأصول على قدر كبير من الأهمية، ولأن محاذير الاختلاف فيها كبيرة وفيها قابلية للغلو والإفراط بحيث ينتج عنه الولاء أو البراء كما هو معروف.
ولا يخفى أن المذاهب الفكرية المتعددة في التاريخ الإسلامي تولدت عنها اتجاهات فقهية مختلفة لا تُنكر أهميتها وضرورة أخذها بالاعتبار، لأن الخلاف الفقهي هو المظهر البارز للاختلاف في مسائل أصول الدين، فالفقه أحكام عملية منظورة، ومقولات أصول الدين أحكام عملية نظرية.
ومع هذا التفاوت في الأثر بين نوعي الاختلاف القائمين في الأمة الإسلامية، وهما الاختلاف في المذاهب الاعتقادية، والاختلاف في المذاهب الفقهية، فإن الاختلاف الفقهي كثيرًا ما يحول دون التقارب بين أصحاب المذاهب الاعتقادية، والتقارب هدف يجب تحقيقه، أو على الأقل يجب زوال الآثار السلبية للاختلاف التي لا يؤمن معها من التفرق والتنازع.
ويجب أن نلاحظ أن الخلاف الذي نتج عن المذاهب الفقهية ليس خطيرًا، بل إنه كان محمود العاقبة حسن النتيجة، إذا نتج من مجموع الآراء المختلفة ما يمكن أن يُستخلص منه قانون محكم، يعادل أحكم القوانين وضعًا، وأعدلها منهجًا، وأقواها على مسايرة الزمن مع الملاءمة للفطرة الإنسانية السليمة.