في ضوء ما سبق نقول: بأن عقد الصيانة المتلازم مع شراء الأصل المطلوب صيانته ينطبق عليه وصف أنه شرط بل شروط في عقد – كما رأينا في الأمثلة التي سقناها من العقود. وإن مجرد تعدد الشروط (أو الصفقات) بحسب ما رجحنا الأخذ به من الاجتهادات، ليس كافيا للحكم بمنع مثل هذه العقود، إذا كان مضمون كل شرط (أو صفقة إضافية) هو في نفسه مباحا، وكان مآل العقد المركب نتيجة اجتماع الشروط لا يؤدي إلى ممنوع شرعي، بل إن عقد الصيانة المذكور يخدم مقصدا شرعيا معتبرا في البيع وهو (مسؤولية البائع عن العيوب الخفية) .
نتيجة: إن عقد الصيانة إن كان مقبولا فقها لو أفرد وحده، يجوز جمعه مع بيع ما تتم صيانته.
٦. الحكم الفقهي الذي نقترحه في عقد الصيانة:
٦ /١ – أولا: عقد الصيانة العلاجية الطارئة، المنفرد:
نقصد بالعقد المنفرد كونه غير مقترن ببيع الأصل المطلوب صيانته، وهذا في حقيقته ضرب من التأمين على الأشياء، ويأخذ حكمه على ما وضحناه آنفا.
٦ /٢ – ثانيا: عقد الصيانة العلاجية الطارئة، المقترن ببيع الأصل المطلوب صيانته:
هذا العقد نرى حكمه الجواز دون تردد، حتى عند من لا يرون جواز عقد التأمين التجاري المنفرد على الأشياء. لأن عقد الصيانة يكافئ ضمان البائع للعيوب الخفية، على أن هذا الجواز مشروط بالتعاقد على الصيانة الطارئة حين بيع الأصل للمشتري، وثبوتها مع ثبوت ملكية المشتري للمبيع، ولا ينبغي أن يتراخى عقد الصيانة عن ذلك؛ إما أن يكون في عقد منفصل، أو ورقة مستقلة عن عقد بيع، فلا يضر فيما نرى.
٦/٣ - ثالثا: عقد الصيانة الشاملة (الوقائية والعلاجية) المنفرد:
هذا نرجح اعتباره عقدا مستقلا، كما نرجح جوازه لاعتبارين:
الاعتبار الأول: إمكان اغتفار مخالفاته للعقود المسماة الثلاثة القريبة منه (إجارة الأبدان والاستصناع والجعالة) لداعي الحاجة إليه، ولوجود نظائر لتلك (المخالفات) (التي هي خروج عن بعض الأصول التعاقدية) في عقود مسماة مشهورة، وقبولها لدى بعض المذاهب أو عند بعض الفقهاء.
مثال هذه المخالفات: اشتراط تقديم الصائن المواد وقطع الغيار على خلاف الأصل في الإجارة على عمل وفي الجعالة، فقد أجاز المالكية وبعض الحنابلة (كما بين ابن قدامة في المغني عند بحثه الجعالة) اشتراط بعض المواد من العامل، وعللوا ذلك بتعليلات تنطبق أيضًا على قطع الغيار في موضوعنا:
-إن العادة جارية به.
إن الحاجة داعية إليه لأن تحصيل بعض المواد يشق على المستأجر كما قد يؤدي إلى إهدار بعض هذه المواد إذا كان ما يشترى عادة منها يزيد عما يحتاجه المستأجر (١) .
(١) نص عبارة صاحب المغني هو:"فأما الجعالة ... فإن الكحل إن كان من العليل جاز؛ لأن آلات العمل تكون من المستأجر؛ كاللبن في البناء والطين والآجر ونحوها، وإن شارطه على الكحل جاز. وقال القاضي: يحتمل أن لا يجوز، لأن الأعيان لا تملك بعقد الإجارة، فلا يصح اشتراطه على العامل كلبن الحائط. ولنا: إن العادة جارية به ويشق على العليل تحصيله، وقد يعجز عنه بالكلية فجاز كالصبغ من الصباغ واللبن من الرضاع والحبر والأقلام من الوراق ... وفارق لبن الحائط لأن العادة تحصيل المستأجر له، ولا يشق ذلك بخلاف مسألتنا. وقال أصحاب مالك: يجوز أن يستأجره ليبني له حائطا والآجر من عنده، لأنه اشترط ما تتم به الصنعة التي عقد عليها فإذا كان مباحا معروفا جاز، كما لو استأجره ليصبغ ثوبا والصبغ من عنده. ولنا: إن عقد الإجارة عقد على المنفعة، فإذا شرط فيه بيع العين صار كبيعتين في بيعة، ويفارق الصبغ، وما ذكرنا من الصورة التي جاز فيها ذلك من حيث إن الحاجة داعية إليه، لأن تحصيل الصبغ يشق على صاحب الثوب، وقد يكون الصبغ لا يحصل إلا ... حيث يحتاج إلى مؤنة كثيرة لا يحتاج إليها في صبغ هذا الثوب. فجاز لمسيس الحاجة إليه بخلاف مسألتنا