للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه الشروط وأمثالها هي من نوع ما سماه ابن قدامة: "اشتراط صفة مقصودة في المبيع". وقال أنه لا يعلم في صحة هذا القسم من الشروط خلافا (١) .

ونؤكد على أنه طالما كان محل العقد جائزًا شرعا؛ فإن مجرد تعدد الشروط المحددة لأوصافه، ولو بلغت العشرات لا يمكن أن يكون ممنوعا. إذ لا يتصور أن تمنع الشريعة التعاقد على شراء مباح ذي أوصاف متعددة يريدها العاقد جميعا.

ب. توثيق الوفاء بالتزامات العقد: الشروط التي تنصب على هذا الخلاف فيها يسير بين الفقهاء فيما يبدو ولو تعددت: كاشتراط الإشهاد والكتابة والتسجيل لدى جهة معينة (مثلا الكاتب بالعدل) وتقديم رهن معين وكفيل معين. هذا ما ظهر من نظرة إلى موقف المذاهب الأربعة (٢) .

ج. تعديل الالتزامات العقدية أو تعدد محل العقد: والشروط التي تستهدف ذلك هي محل الخلاف الفقهي الواسع.

ويبدو لنا في هذا المقام أن بناء النهي أو الإباحة على العدد الحسابي للشروط، أو الصفقات دون نظر إلى دواعي الجمع بينها ونتائجه، إن ذلك يؤدي إلى تطبيقات مضطربة لا يربطها رابط ولا ينتظمها ضابط، أو يؤدي إلى تضييق وحرج في التطبيق.

(مثلا: يجوز شراء الحطب، لكن شراءه مع اشتراط حملانه إلى البيت باطل عند البعض (٣) . وآخرون يجيزون الحملان لأنه شرط واحد، ويمنعون اشتراط تكسير الحطب وحملانه لاجتماع شرطين، وعلى هذا الرأي يمتنع اليوم شراء مكيف هواء مع اشتراط حملانه إلى البيت وتركيبه، ومن باب أولى تمتنع عقود المقاولات التي تضم عادة عشرات الشروط تملأ أحيانا كتيبا يسمى (دفتر الشروط) ، بل تبلغ أحيانا مجلدا كبيرا في بعض العقود.

ونرى أن تعدد الشروط (والصفقات) لا ينبغي أن يمنع فقها إلا إذا أدى إلى ممنوع شرعي معروف كالربا والغرر أو احتكار الصنف ... الخ، أو كلما شاع اتخاذه ذريعة إلى مثل هذه الممنوعات، وهذا قد يقع في بيع مع شرط واحد، وقد لا يقع في بيع تضمن شروطا كثيرة.

وهذا المنحى من تأويل المنع هو بحسب فهمنا ما انتهى إليه شيخ الإسلام ابن تيمية، بعد أن أسهب وأجاد أيما إجادة في الاحتجاج له (٤) . وأقرب مذهب إليه هو مذهب مالك رحمهما الله، من حيث عدم التركيز على عدد الشروط، بل على مضمونها ومآلها. يقول ابن رشد (٥) .

"وأما مالك فالشروط عنده تنقسم ثلاثة أقسام، ... وإعطاء فروق بينة في مذهبه بين هذه الأصناف.. عسير،.. . وإنما هي راجعة إلى كثرة ما تتضمن الشروط من صنفي الفساد الذي يخل بصحة البيوع، وهما الربا والغرر، وإلى قلته وإلى التوسط بين ذلك، فما كان دخول هذه الأشياء فيه كثيرا من قبل الشرط أبطله وأبطل الشرط، وما كان قليلا أجازه وأجاز الشرط فيها، وما كان متوسطا أبطل الشرط وأجاز البيع ".


(١) المغني: ٤/٢٢٤ – ٢٢٦، ٢٣٥
(٢) الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته: ٤/٤٧٦ – ٤٨٥
(٣) الموسوعة الكويتية: ٩/٢٥٢، مادة البيع – بيع وشرط
(٤) القواعد النورانية، القاعدة الثالثة: (العقود والشروط فيها) ، ص٢٠٦-٢٤٢
(٥) بداية المجتهد: ٢/١٢٠

<<  <  ج: ص:  >  >>