بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صلِّ وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
قد أبدأ ببعض الفروع الشرعية التي أثيرت، وأعتقد أن المضاربة هنا استعملت في معناها اللغوي وليس في مصطلحها الشرعي، والمعنى اللغوي يحتمل فعلاً ما ذكره الإخوة، لأن المضاربة هي نوع من ضرب الشيء بالشيء ومفاعله لأن كل واحد يضرب، والمعنى اللغوي يحتمل المقامرة ويحتمل ما ذكر من المخاطرة والمقامرة.
بالنسبة للفروع التي أثيرت وهي مسألة الصرف المؤجل. الصرف المؤجل أعتقد أنه على شطر خلاف أو على الخلاف وربما الراجح بالنسبة لي شخصيًّا. إذا كانت هذه العملات تحتمل أن تكون عروضًا فإن الصرف المؤجل أجلاً قصيرًا لن يكون شيئًا كبيرًا، لا يخالف الشرع مخالفة كبيرة ولا يقتضي احتجازه. أما الصرف فلا يشك أحد في جوازه، الصرف جائز إجماعًا وكان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وتعامل به أصحابه وتعامل فيه الأمة من بعدهم، فلا يمكن أن يقال: إن الأصل هو التحريم، هذا بعيد جدًّا، لكنه مع هذا الأمر المجمع عليه قد يعرض له ما يوجب تخريجه من باب الذرائع، ونحن نعرف أن سد الذرائع هو تحريم الحلال الذي يؤدي إلى حرام وفساد، الحلال إذا أدى ارتكابه إلى فساد يجوز تحريمه أي الحكم بحرمته لما يتضمنه من الفساد. هذا أمر واضح ومعروف.
أما سلطة ولي الأمر فإنها منوطة بالمصلحة، لكن يقول ابن عابدين: إن ولي الأمر إذا منع من المباح يجب امتثال أمره. إذا منع من المباح، والمباح هو التخيير، هو خطاب التخيير المباح، لكن هذا الأمر لا يحدث حكمًا شرعيًّا وإنما يحدث حكمًا مؤقتًا بالنسبة للمكلف، وهذا الحكم – كما قلت – منوط بالمصلحة لأنه معزول عن غير المصلحة كما يقول الحريري عن التجارات: فأما التجارات ما أشبهها بالطيور الطيارات. هذه العملات أيضًا طائرة وتطير في كل مكان وشرها مستطير، وقد قال قديمًا المالكية: إن مالكًا – رحمه الله تعالى- كره السلم في الفلوس، لأنه يؤدي إلى الفساد والكساد. هذه العملات أيضًا تؤدي إلى الفساد والكساد، وقد شكا النقريسي قديمًا من الفلوس التي أدت في زمانه إلى الغلاء الشديد، وطالب بالرجوع إلى الذهب والفضة لكونهما أصلي النقد. أما ما وقع في الدول الآسيوية فهو مؤشر واضح ونذير لغيرهم بأن الورم لا يكون شحمًا.
أعيذها نظرات منك صادقة
أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم
فهذه الدول اعتمدت على ضخ المال الأجنبي، فأصبحت متورمة وافتخرت وتباهت بأنها أصبحت غنية وثرية، لكن هذا الفخر لم يدم طويلاً، فقد تدخل المضاربون وبين ليلة وضحاها أصبحت كالصريم. تحركت الأوضاع الاقتصادية وتلتها الأوضاع الاجتماعية، واضطرابات سياسية وسقوط الحكم. وأعتقد أن هذا السيناريو – كما يقولون- أو هذا المسلسل في غاية الأهمية وقد يجعل حكومات العالم الإسلامي أكثر صوغًا وإصغاءً للنصائح التي نسديها إليها إذا قدمنا نصائح عملية مؤصلة يمكن الاعتماد عليها لإدارة الأزمات، أما إذا بقينا في ذكر الشكاوى أو وصف الحالة وهي حالة معروفة ومنشورة في الجرائد ومعروفة في كل مكان فأعتقد أن أحدًا لن يثق بما يقدم إليه.