بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
فإني أشكر الباحثين الكريمين على بحثيهما الواسعين، وأشكر جميع الذين أسهموا في المداخلات والتعقيبات حول الموضوع المطروح، وقد أغنوني عن كثير مما كنت أريد أن أقوله، لكني أردت أن أؤكد أولاً أن مما غرق فيه العالم بأسره بما فيه العالم الإسلامي من المعاملات الربوية ما هو إلا حرب بين الناس وربهم، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة ٢٧٨ – ٢٧٩] .
وما هذا الأمر الذي يعاني منه العالم اليوم من انهيار الاقتصاد إلا أثر من آثار هذه الحرب. فإن الربا سعير يأتي على الطارف واليابس من أموال الناس، ويأتي على كل ثرواتهم. فإذن قبل كل شيء على الأمة الإسلامية أن يكون لها منهج اقتصادي مستقل مأخوذ من الإسلام الحنيف من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والفقه الإسلامي الواسع، ثم بجانب ذلك لا بد مع كون الأمة الإسلامية تسعى إلى الوحدة أن تكون لها وحدة اقتصادية، وأنا أظن ولست ذا خبرة في المجال الاقتصادي أن وجود الدينار الإسلامي المشترك يمكن أن يحد الكثير الكثير من هذه المحاذير عندما تدعمه الدول الإسلامية باختلاف طاقاتها واختلاف قدراتها، فالدول الإسلامية متفاوتة في القدرات المالية وغيرها.
ولا بد من ضبط جميع المعاملات بالضوابط الشرعية التي حددها الإسلام الحنيف، فنحن نرى أن الناس يهرعون وراء اقتناء الأموال من غير طريق شرعي، فالأسهم والتجارة فيها أصبح أمرًا خطيرًا وأصبحت الأمة معرضة للإفلاس بين حين وآخر؛ لأن أصحاب رؤوس الأموال صبوا رؤوس أموالهم في هذا الوعاء من غير مبالاة وتركوا المجالات المتعددة مجالات الضرب في الأرض بالاتجار المشروع، فقد يدخل أحد من الناس السوق ويشتري ويبيع في دقائق معدودة أو في ساعة واحدة يشتري ويبيع ما لا يعلمه ولا يعرف ما الذي اشتراه وإنما يقول بأنه اشترى سهمًا، وأنا سألت بعض هؤلاء: ما الذي اشتريته؟ قال: اشتريت أسهمًا. أسهم أي شيء؟ هل تعرف عينًا معينة اشتريتها؟ يقول: لا. ثم يبيع لا يعرف ما الذي اشتراه ولا يعرف ما الذي باعه.
هذا أمر خطير، يربح في دقائق معدودة أو في يوم واحد يربح مئات الألوف من أي شيء لا يعلم هو مما ربح، وعندما تكون الخسارة تكون إلى غير حد محدود. فالقضية خطيرة. ثم بجانب ذلك أرى أنه من الضرورة بمكان أن يسمى كل شيء باسمه الشرعي، فالعالم الآن يعاني كثيرًا من هذا اللبس الحاصل بسبب إطلاق الأسماء على غير مسمياتها الصحيحة، فالربا مثلاً سمي (فائدة) ، والرقص والغناء (فنًا) ، والزنا سمي (حبًّا) ، والخمر سميت (المشروبات الروحية) وهكذا، وكذلك المضاربة، المضاربة هي مشروعة شرعًا، ولكن مشروعة في تجارة مشروعة، لا أن تكون هذه المضاربة خارجة عن الحدود الشرعية التي رسمها الدين الحنيف.
فأرجو أن يؤخذ بكل ذلك في الاعتبار، والله ولي التوفيق، والسلام عليكم ورحمة الله.