للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدكتور محمد علي القري:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد؛

فإنني أقدم شكري أولاً للأخوين الباحثين على ما قدماه من مادة دسمة في هذا الموضوع، ثم أقول أولًا: يحسن بنا ألا نسمي ما يجري في أسواق العملات اليوم مضاربة، لأن المضاربة هي شركة في الربح، وإن ما يجري ويقع في هذه الأسواق من معاملات غير جائزة لا يمكن أن يكون مضاربة. وإن ما يجري على لسان العامة من استخدام كلمة (مضاربة) لتعني المغامرة والمجازفة والمخاطرة، والأولى أن نسميها بأسمائها الصحيحة. والترجمة من اللغات الأجنبية أيضًا تشير إلى أنهم يسمونها مخاطرة ومقامرة وليس مضاربة.

ثانيًّا: إن المقامرة على العملات ظاهر ما فيه من مفاسد وأضرار، ولا يخفى ذلك على العقلاء وذوي الحكمة حتى في البلاد الغربية التي تنتشر فيها هذه العمليات لكن المشكلة الأساسية أنه لا يوجد طريقة عملية قابلة للنص عليها في القوانين للتفريق بين من يشترون العملات لغرض القمار وأولئك الذين يشترونها لحاجات مشروعة. لا يمكن التعرف على المقابل من المعاملة ذاتها، ومن ثم لا يمكن ردعه ومنعه من الشراء بالقوانين، هذا أمر لا يمكن تحقيقه مع الأسف الشديد. ولذلك فإن دولة من دول العالم إذا رغبت في فتح أبوابها لرأس المال الأجنبي كما هي سياسة أكثر دول العالم اليوم اضطرت إلى فتح المجال لكلا الفريقين، للمستثمر الحقيقي الذي يأتي لغرض الاستثمار وزيادة القدرة الإنتاجية وتوفير فرص العمل والحصول على الأرباح، وللمقامر الذي يدخل في الفرص ليقتنصها بصرف النظر عما يسببه من أضرار اقتصادية، وهذا مكمن الخطر الذي وقع فيه كثير من الدول.

ومع ذلك فقد نجحت بعض الدول في الاستفادة من رأس المال الأجنبي مع التضييق على المقامرين. مثال ذلك ما أقدمت عليه دولة تشيلي في أمريكا الجنوبية حيث إنها سنت قانونًا للاستثمار الأجنبي يمنع كل من أدخل أمواله للقطر من إخراج تلك الأموال قبل مرور سنة كاملة على ذلك، فابتعد المقامرون عن هذا البلد؛ إذ لا مصلحة لهم في دفع عملته إلى الانهيار حيث سيكونون هم أول الخاسرين من ذلك.

يا معشر السادة الأفاضل، إن العالم قد تغير تغيرات جذرية وبخاصة في العقدين الأخيرين من هذا القرن الميلادي ففي العالم أكثر من مائتي عملة نقدية في وقت أصبحت مصالح كل دولة من دول العالم متشابكة مع دوله الأخرى، وهي في تزايد مستمر، كل ذلك يولد فرصًا ذهبية للنمو ولتوليد فرص العمل وللتجارة وكذلك فإنه يولد فرصًا للمقامرين والمجازفين على عملات الدول المختلفة. وإنه بقدر ما تنمو التجارة النافعة بين دول العالم بقدر ما يحتاج التجار إلى حماية أنفسهم من تقلبات العملة. هذه الحاجة المشروعة للتجار، لأن مجال عملهم هو بيع السلع والتجارة فيها وليس تحمل المخاطرة وتقلبات عملات الدول المختلفة.

إن قواعد التعامل بالنقود في ظل الشريعة الإسلامية لا مجال فيها لهذه المقامرة والمجازفة، لأن المطلب الأول للمقامر هو أن يبيع أو يشتري بالأجل. فالمقامرة بالتعريف، إنما هي معتمدة على توقع الارتفاع أو الانخفاض في السعر في المستقبل، ومن ثم فلا مجال في ظل شروط الصرف الصحيح للمقامرين. ولكن ذلك أيضًا يغلق الباب على حاجات مشروعة للتجار لحماية أنفسهم في هذا العالم الذي يغرق في مخاطر الصرف وتقلبات العملات. لكنه يصعب تقليل الضوابط الصارمة لهذا الموضوع، فليس بأيدينا إلا الإرشاد والتوجيه في ذلك.

أما ما ذكر من أن سياسة سعر الصرف الثابت ربما تكون حلاً للمشكلة وأنها تساعد على إبعاد الأسواق عن المقامرة، فأقول: هذا كلام فيه نظر، إذ الواقع أننا في عالم لا يمكن لأي دولة تثبيت سعر صرف عملتها، حتى الولايات المتحدة أقوى الدول وأغناها لا تستطيع أن ترغم الناس على سعر لعملتها. إذن فإن معنى سياسة سعر الصرف الثابت هو أن الدولة تحدد لعملتها سعرًا ثم تتدخل برفع سعر الفائدة لحماية هذا السعر. ولكن كان يمكن تثبيت سعر صرف العملة المحلية دون استخدام سعر الفائدة لذلك. عليه يجب أن نحذر من المناداة بمثل هذه السياسة لأن من لوازمها استخدام الفائدة لتثبيت سعر الصرف.

وشكرًا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

<<  <  ج: ص:  >  >>