للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدكتور سامي حسن محمود:

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع المضاربة في العملة في الواقع هو نوع من الشراء والبيع الصوري دونما حاجة لذلك إلا الاقتناص والتلاعب بالأسواق. وما يحصل للمضاربات على العملة يمكن أن يحدث على أي سلعة كالقمح والأرز والنحاس والألمنيوم وغير ذلك، وقد حدث في سوق السلع الدولية قصص معروفة عن هذه المضاربات.

وإذا تفحصنا أسباب الخلل والضرر والأذى في هذه المضاربات بشكل عام نجد أن هذه الأسباب تعود إلى الخروج عن ضوابط البيع وما يجوز فيه شرعًا وما لا يجوز. فالبيوع في الإسلام في نطاق المضاربة يمنع فيها بيع النجش لما فيه من إضرار بالمشترين الحقيقيين، فالتضرر بالشراء وكذلك بالبيع دون رغبة فعلية في الشراء والبيع ممنوع شرعًا، فإذا تم البيع فإنه مقيد ببيع ما هو موجود (ولا تبع ما ليس عندك) وأستثني من ذلك السلم حيث ضبط ذلك البيع بإيجاد البديل وصفًا وكمية مع وجوب دفع رأس المال كاملاً. وعندما ينتقل الأمر إلى الصرف وهو بيع النقود بالنقود فقد بين الشرع فيما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن البيع مقيد بالتبادل عند اتحاد الجنس مع التقابض، وكذلك شرط تقابض البدلين عند اختلاف الجنس.

وإن تطبيق هذه الضوابط كفيل بأن يصون الأسواق ويصون المتعاملين في بلاد المسلمين وخارج ديار الإسلام، وما حدث في بعض دول جنوب شرق آسيا سواء منها ما كان من الدول الإسلامية أو غير الإسلامية، فإنه كان نتيجة لعدم الانضباط في بيع العملة بالضوابط الشرعية في شرط وجوب تقابض البدلين، فكان هناك تعامل بالأجل وتعامل بالهامش، أي أن عقد البيع تدفع منه نسبة (٥ %) مثلاً من القيمة على أساس أن يكمل الباقي عند حلول موعد الأجل.

أما تبايع الآجال فهو الشراء والبيع على أساس التسليم المستقبلي للعملة المشتراة أو المباعة. والمخالفة واضحة للضوابط التي تستند إلى حديث النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم في وجوب التقابض.

وأما البيع على الهامش فهو اتفاق على الشراء أو البيع المستقبلي مع دفع نسبة من الثمن (٥ %) أو (٧ %) أحيانًا. وقد تحدثت شخصيًّا منذ ثمان سنوات مع محافظ البنك المركزي لإحدى دول جنوب شرق آسيا محذرًا من تعامل البنك في سوق العملات الأجنبية على أساس الهامش والأجل، فقال لي: إن هذه البيوع تعتمد على الخبرة، فقلت له: إن الخبرة محدودة بضوابط الشرع وإن عقل المسلم يقف عند ضوابط الشرع ويتقيد بها لأن في ذلك طاعة وحماية.

فالقضية إذن هي رد حياة المسلمين إلى طريق الانضباط والالتزام بشرع الله. وقد تضافرت في دول جنوب شرق آسيا مخالفتان شرعيتان كانت نتيجتهما العاجلة هذا الانهيار الاقتصادي الذي حدث في الناتج الكلي وذهاب التقدم الذي تحقق، ويا ليت قومي يعلمون!

المخالفة الأولى كانت الإغراء في بيع سندات الديون وبالتالي زيادة كمية النقود بالمقارنة مع حجم السلع المنتجة.

والمخالفة الثانية هي التبايع الآجل بالصرف مع استعمال الهامش، أي بيع العربون. فجاء المضاربون من كل حدب وصوب وتلاعبوا بهم تلاعب اللاعب بالكرة.

والمطلوب هو لفت النظر إلى هذه الضوابط، وأن التقيد بالضوابط الشرعية للصرف فيه تطبيق لشريعة الله وحماية عباد الله. هذه الضوابط كفيلة بردع المضاربين بقليل من الوعي والصدق لدى المسؤولين في إدارة السياسة المالية للبلاد الإسلامية. يضاف إلى ذلك الواجب الإسلامي العام بالاعتصام بحبل الله والتوحد في مواجهة العولمة بتقوية أسواق رأس المال الإسلامي والتبادل التجاري بين دول العالم الإسلامي. عند ذلك فإن الاحتماء بحمى الله وشرعه يؤمن لنا رحمة الله ونصره.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

<<  <  ج: ص:  >  >>