للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لعلنا نتساءل: إذا كان الأمر بهذه الخطورة وبهذه الجسامة، كيف ونحن عالم إسلامي ونحن عالم نامٍ إلى حد كبير ما زال ضعيفًا اقتصاديًّا وماليًّا، كيف نتجنب هذه العمليات المدمرة والتي تعتبر أسوأ من الجوائح التي تكلم عنها فقهاء المسلمين قديمًا؟ ويكفي أن نعلم ما جرى في جنوب شرق آسيا وما ضاع من الجهود التي استمرت لثلاثة عقود أو أكثر من النمو المتواصل حيث وصل معدل النمو إلى (١٠ %) وهذا معدل بالغ الارتفاع في عرف الاقتصاديين الإنمائيين.

هذا الجهد الجبار الذي بذل على مدار السنوات العديدة ضاع أو كاد يضيع في غمضة عين. رئيس وزراء ماليزيا يقول: " أصبحنا فقراء بفعل المضاربة في العملات، أخذت منا ما يقارب (٦٠ %) من ثروتنا الوطنية". شيء خطير، كيف نتجنب أو كيف نواجه هذا الخطر الجسيم؟ لكي أواجه هذا الخطر عليَّ أن أتعرف على الدوافع. ما الذي يدفع هذه المؤسسات الكبرى العملاقة العالمية للمضاربة في العملات وللتدخل في الأسعار الخارجية للعملة ولإحداث تقلبات عنيفة فيها؟ لماذا؟ ما هي الدوافع التي تدفعهم إلى ذلك؟ هي دوافع متعددة، دوافع اقتصادية ودوافع سياسية ودوافع مذهبية، إلى آخر هذه الدوافع. التي يعنينا أنه أيًّا كانت هذه الدوافع فإن هناك عوامل – وهذا ما ينبغي أن نركز عليه – مهيئة ومساعدة سمتها الورقة إغراءات على القيام بالمضاربة في العملة، هذه الإغراءات على الدولة أن تتجنبها. ما هي الإغراءات التي تجعل المضارب يقدم على عمل عملته النكراء التي تحدث ما تحدث؟ إغراءات عديدة.

اسمحوا لي أيضًا أن أقرأ لكم نصًّا صغيرًا عن ما يقوم به بعض المضاربين لكي يتعرفوا على مواطن الضعف والثغرات الموجودة لكي يقتصنوا الفرصة ويغتنموها فيفعلون ما يريدون، يقول صاحب (فخ العولمة) : باحتياج ما يقوم لنا به المضارب الأمريكي الشهير. . . الذي يهمنا قوله هنا أنه هو يقود أهم أسواق ومناطق العالم نموًّا ما بين خمس وعشر مرات في السنة. وبالنظر إلى جولاتهم خلال مدار السنة، يتضح أن مهمة هؤلاء الناس ليس إبرام صفقات حقيقية وعينية ومفيدة، إنما التعرف على الأوضاع الموجودة في العالم خاصة، العالم الذي هو محل نظر والذي فيه نمو وحرمة ونشاط، وفيه استثمارات فإنهم يترقبونه بل ويزورونه ما بين أسبوع وأسبوعين قصد الحصول على معلومات عن كل نواحي الحياة الاقتصادية هناك، وهذه هي الخطورة البالغة لتحديد أسعار النقد الأجنبي وتشجيعه دون حدود ودون ضوابط، ونادرًا ما يوصد باب في وجهه، فرجال الصناعة وممثلو الحكومات والمصارف المركزية على علم ودراية بالقيمة التي لا تثمن لمثل هذا الشخص من أجل تدفق رأس المال عبر الحدود والقارات، ولا يسعى في حديثه للحصول على أرقام أو تنبؤات تقوم على الرياضيات؛ لأنه وحسب قوله فإن هذه الإحصائيات متوفرة في أجهزة الكمبيوتر إن المهم هو الجو العام، والتوترات والصراعات الخفية.

<<  <  ج: ص:  >  >>