ولذلك أنا لا أتفاءل أبدًا مما يحدث حاليًّا في أندونيسيا وفي ماليزيا وفي بقية دول العالم من الصراعات الداخلية القوية، لأن مردودها سيكون سلبيًّا للغاية على العملة ثانية، وعلى الاقتصاديات القومية لتلك الدول بالتالي. فحسب ما يقول فإن الاحصائيات متوفرة في أجهزة الكمبيوتر. إن المهم هو الجو العام، والتوترات والصراعات الخفية ولذلك فعليك بالتاريخ – يقول كلام شخص مضارب – دائمًا وأبدًا، فمن درس تاريخ بلد من البلدان دراسة جيدة يستطيع التنبؤ على نحو أفضل عما يحدث عند اندلاع تلك الأزمات.
الإجراءات مكتوبة في الورقة ولا داعي لسردها، تدهور معدل النمو الاقتصادي، تدهور وضع الميزان التجاري، ارتفاع وتجاوز حد المديونية الدولية، ضعف جهاز المال والمصارف، الإسراف في الإنفاق وسوء تخصيص الموارد، ارتفاع معدلات التضخم، الفساد الإداري والحكومي والقلاقل السياسية، كل هذه الأشياء هي بيئة مغرية تمامًا لقيام هذه الفئة المتخصصة في التلاعب باقتصاديات الدول.
آثار المضاربة في العملة واضحة لا تخفى على أحد فآثارها تدميرية على المجال الاقتصادي وعلى المجال الاجتماعي، وعلى المجال الأمني، وعلى المجال السياسي، وحتى لا نبالغ في القول فإن هذه الآثار هي آثار ترجع أساسيًّا إلى التقلبات العنيفة وخاصة الهبوط في القيمة الخارجية للعملة، لكن طالما أن المضاربة هي أهم عامل في هذه التقلبات فيمكن أن تعزى هذه الآثار إلى المضاربة في العملة.
تدهور القيمة الخارجية للعملة هذا هو الأثر الأول، ونحن نعلم جميعًا ولسنا بحاجة إلى التعريف بما جرى لعملات دول جنوب شرق آسيا وروسيا والمكسيك وبريطانيا سابقًا.
ثانيًّا – تدهور معدلات النمو الاقتصادي، وهذا يعني تدني أوضاع البلد اقتصاديًّا وبدلاً من أنها كانت ترقى في مجال النمو والتقدم أصبحت الآن إما راكدة أو أن معدل النمو سالبًا، وهذا شيء بالغ الخطورة. كم من الملايين تركوا العمل؟ كم من الملايين من الشركات والمؤسسات أفلست؟ كم من الملايين ممن كانوا يحصلون على دخول أصبحوا فقراء؟ شيء غريب جدًّا ناتج عن هذه التلاعبات في سوق العملة وفي غيرها.
إذن الذي نريد أن نصل إليه هو كيف نواجه المضاربات في العملة؟ كيف نواجه هذه القضية الخطيرة وهذه الظاهرة؟
الأمر الأول: تجنيب المجتمع إغراءات القيام بالمضاربات في عملته. يعني بمعنى آخر أنا أرى الميزان التجاري وميزان المدفوعات، وكذلك أرى الوضع النقدي والوضع المالي للجهاز المصرفي، وأرى كذلك رقابة جيدة، أرى كل هذه الأشياء التي تثير شهية المضاربين وأحاول أن أبتعد عنها.
الأمر الثاني: ضبط العملة في البورصة، وهذه قضية خطيرة، والفقه الإسلامي له باع طويل فيها، وكذلك الإسلام له باع في ذلك. البورصة أصبحت سوقًا رهيبة تجري فيها أشياء تصل إلى حد – كما هم يسمونها – التلاعب بالقمار (نوادي القمار) ، فالإسلام والفقه الإسلامي لهما موقف من هذا وهو موقف طيب إلى آخر مدى فيما يتعلق بضبط العمل في البورصة سواء من جهة الأساليب أو الإجراءات أو القيود أو الضوابط. لا بد لكل دولة أن تترك البورصة – على الأقل في داخلها – تعمل ما تشاء بل يجب أن تضبطها.