للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما معنى المضاربة على العملة أو المضاربة في العملة؟ وهل تختلف عن التجارة في العملة؟ وهل الصرف المعروف شرعًا يختلف عن التجارة في العملة؟ تساؤلات أساسية وخطيرة ومهمة وينبغي أن تكون واضحة بشكل جلي أمام واضعي السياسة وأمام خبراء الفقه الإسلامي.

الأصل أن تطلب العملة أو أن تعرض لاستخدامها في سداد دين أو لشراء أصل. هذا هو أصل خلقة النقود. النقود خلقت من أجل أن تكون وسيلة للتبادل، أستخدمها في سداد دين علي، أو أشتري بها أصلاً ما، أو أشتري بها سلعة ما، أو أشتري بها خدمة ما. لكن أحيانًا تشترى أو تطلب النقود وتعرض لذاتها وليس لكونها وسيلة لشراء شيء آخر، لأن المشتري لها يتوقع ارتفاع سعرها مستقبلاً فيبيعها محققًا الأرباح، وهي أيضًا عرض العملة لهدف محدد وتفادي الخسائر من الاحتفاظ بها حيث يتوقع هبوط قيمتها.

فالمضاربة إذن على العملة هي طلب للعملة، وعرض لها، وتعامل فيها كما لو كانت سلعة تطلب للتجارة بها، والتربح بها، وتعرض كذلك لتفادي خسائر من التمسك بها وليس لاستخدامها في شيء آخر.

لم تعد المضاربة قاصرة على توقع ما يحدث وإلا لكان الخطب، ولكنها أصبحت عملاً مقصودًا وليس مجرد الاستفادة من الفرصة المتوقعة، إنها باتت خالقة للفرصة وليس منتظرة لها. قد تريد جهة ما، أو مؤسسة ما تحقيق هدف معين فتشيع في السوق أن السعر سيهبط أو سيرتفع حسب ما يتفق مع مصلحتها، ثم تتدخل في ممارسة البيع أو الشراء فتحدث في السعر ما تريده ضاربة بعرض الحائط ما يترتب على ذلك من مضار ببعض الأشخاص أو الفئات أو المجتمعات.

هذه أصبحت اليوم عملية خطيرة ولم تعد مجرد عمليات فردية لا تحدث خطرًا يذكر بقدر ما تستفيد مما يحدث بفعل عوامل أخرى، وإنما أصبحت من الضخامة بمكان تأخذ بالمبادرة صانعة في السوق ما تريد، تمارس من خلال مؤسسات تتنافس اليوم بقوة المؤسسات الإنتاجية بل كثيرًا ما تتغلب عليها وتجعلها طوعًا لإرادتها. ويكفي أن نعرف في أزمة المكسيك عام ١٩٩٥ م أن مدير صندوق النقد الدولي قال، وهو يعالج هذه الأزمة: "العالم في قبضة هؤلاء الصبيان "، مشيرًا إلى المضاربين وذكر بأنهم صبيان لصغر سن معظمهم من جهة، ولصغر أهميتهم الحقيقية والفعلية، لكنهم مع ذلك وبكل أسى وحسرة أصبح العالم في قبضتهم.

هناك كتاب ظهر أخيرًا واسمه (فخ العولمة) أشار إلى هذا الموضوع إشارات خطيرة وهو مترجم في (عالم المعرفة) في العدد الأخير له ليتنا نطلع عليه ونقرؤه، يقول: " عبر البورصات والمصارف وشركات التأمين وصناديق الاستثمار المالي وصناديق معاشات التقاعد دخلت مسرح القوى العالمية طبقة جديدة لم يعد بوسع أحد أيًّا كان سواء كان دولة أو مشروعًا أو مواطنًا عاديًّا التخلص من قبضتها، إنها طبقة المتاجرين بالعملات والأوراق المالية الذين يوجهون بكل حرية سيلاً من الاستثمارات المالية يزداد سعة في كل يوم ويقدرون بالتالي على التحكم في رفاهية أو فقر أمم برمتها دونما رقابة حكومية". هذا كلام مكتوب وموجود في الغرب وكتبه عالمان ألمانيان، يتحدث – أي الكلام – عن صعوبة وخطورة ما يجري حاليًّا على الساحة الدولية فيما يتعلق بالمجال المالي.

<<  <  ج: ص:  >  >>