قبل أن ندخل في تناول الآثار المترتبة على النشاط المضاربي في العملة، ومدى تدميرها للعملة أولاً، وللاقتصاد القومي ثانيًا، ولأوضاع المجتمع عامة ثالثًا. أحب أن أشير إلى ما يطرحه الباحثون في هذا الصدد من تمييز بين نوعين من المضاربة يطلقون على الأول المضاربة الاستقرارية وعلى الثاني المضاربة غير الاستقرارية. والتمييز بينهما يمكن توضيحه باختصار في كون المضارب في النوع الأول يقوم بالشراء عندما ينخفض السعر، ويقوم بالبيع عندما يرتفع السعر، بينما نجده في النوع الثاني يقوم بالشراء عندما يرتفع السعر، أملاً في استمرار الارتفاع، يقوم بالبيع عندما ينخفض السعر، متوقعًا في ذلك استمرار الانخفاض.
ويلاحظ أن النوع الأول لا غبار عليه، بل إنه يحدث من الآثار الشيء الجيد على سعر العملة دافعًا له إلى الاستقرار، فالشراء عند بداية الانخفاض يوقف هذا الانخفاض. والبيع عند بداية الارتفاع يوقف أو على الأقل يقلل من الارتفاع. إذن هي بالفعل مضاربة استقرارية. بينما نجد في النوع الثاني عملاً اختلاليًّا يزيد من عدم الاستقرار، فعند بداية أو توقع الارتفاع يشتري فيحدث الارتفاع ويزداد الاختلال، وعند بداية الهبوط أو توقعه يبيع فيحدث الهبوط ويزداد الاختلال.
ومما يؤسف له أن النوع الثاني هو السائد والمسيطر حاليًّا في دنيا المضاربات (١) . وهو الذي يولد المزيد من الآثار السلبية التي لا يقف مداها عند الجوانب الاقتصادية بل تتعداها إلى الجوانب الاجتماعية والسياسية. وفيما يلي إشارة إلى بعض هذه الآثار:
١- تدهور القيمة الخارجية للعملة والذي يبلغ في بعض الحالات حد الانهيار أو ما يقاربه، ومعنى فقدان العملة للكثير من قيمتها الخارجية تدهور قيمة الأصول الاقتصادية العينية والمالية في الاقتصاد القومي، بحيث تتاح للأجانب بأبخس الأسعار، لاسيما في ظل حرية الاستثمارات الأجنبية القائمة.
إن توقع هبوط سعر الشيء ناهيك عن افتعال هبوطه يؤدي فعلاً إلى هبوطه، حيث الإقدام المتزايد على البيع ومن ثم المزيد من العرض. وقد برهنت الأزمات المعاصرة على حدوث هذا الأثر، فوجدنا تدهورًا يصل إلى حد الانهيار في العديد من القيم الخارجية للعملات، ووجدنا تسارعًا بالتخلص في البداية من العملات المحلية وكذلك الأوراق المالية، فزاد الضغط على العملة فهبطت بشدة، وفي أثرها هبطت بشدة أيضًا قيمة الأوراق المالية المقومة بالعملة المحلية فدخل المضاربون بأثمان قد لا تصل إلى نصف القيمة، مستحوذين بذلك على الأصول العينية لهذه الدول بأبخس الأثمان.
(١) لمعرفة موسعة انظر، د. حمدي رضوان التابع والمتبوع، مرجع سابق، ص ١٥٤ وما بعدها؛ د. السيد الطيبي، مرجع سابق، ص ٢٨ وما بعدها؛ جون هدسون ومارك هرندر، العلاقات الاقتصادية الدولية، ترجمة د. طه منصور، الرياض، ١٩٨٧، دار المريخ، ص ٨٣١ وما بعدها.