للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد ارتفع معدل الاستثمار في هذه البلاد بشكل كبير، حوالي (٥٠ %) من الدخل القومي، ويتساءل أحد الخبراء عن مصادر تمويل هذه الاستثمارات الضخمة، إن الكثير منها كان تمويلاً خارجيًّا حوالي (١٠٠) بليون دولار في عام ١٩٩٦، كما أن الكثير منها كان تمويلاً محليًّا، والسؤال المهم ماذا عن حقيقة هذه الاستثمارات ومجالاتها؟ يكاد يتفق الجميع على أن معظمها كانت في مجالات غير إنتاجية في مثل الأسهم والعقارات الفاخرة وفوق الفاخرة، وهذا استثمار غير حكيم ويزداد الأمر سوءًا إذا ما كان تمويله بقروض قصيرة الأجل.

وقد تمثل الاستثمار العقاري ليس في الإسكان الشعبي أو المتوسط ولكنه في الأبراج وناطحات السحاب وملاعب الجولف، وقد فاقت طاقة هذه المشروعات القدرة الاستيعابية للسوق المحلية وكذلك القدرة على التصدير فيما يمكن تصديره، وقد استنفد جزء كبير من الأموال في تقديم رشاوي وعمولات من أجل الحصول عى هذه التسهيلات المصرفية، والتي عرفت بقروض المجاملة. وبهذا فقدت هذه المشروعات القدرة على سداد ديونها، الأمر الذي ولد إشاعة عدم الثقة والتي عمت أسواق الأوراق المالية والصرف، فاندفع الناس في موجات متلاطمة للتخلص من الأوراق المالية والعملة المحلية، وبذلك فقدت عملات هذه الدول ما يتراوح بين (٣٥ %) و (٦٠ %) من قيمتها خلال عام ١٩٩٧م.

٦ - ارتفاع معدلات التضخم: عندما تظهر الدلائل احتمال ارتفاع معدلات التضخم في مجتمع ما، فإن ذلك نذير ضغوط مستقبلية على قيمة العملة الخارجية، أيًّا كان نظام تحديدها، فإما أن تضطر الحكومة لتخفيضها وإما أن يقوم سوق الصرف بهذه المهمة، حيث الضغط على الميزان التجاري وصعوبة التصدير وشراهة الاستيراد، وحيث الحركة المحمومة الداخلية والخارجية للهروب من العملة واستبدالها بعملات أخرى مستقرة.

والتاريخ الاقتصادي الحديث للعديد من الدول ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية شاهد على أن تعرض المجتمع لضغوط تضخمية أثر في سلوك المتعاملين في سوق الصرف، الأمر الذي ولد بدوره المزيد من الضغوط على القيمة الخارجية للعملة والتي خفضتها بشكل بكير. وهكذا يعتبر التضخم نذيرًا بما سيحدث لسوق صرف العملة، وهذه فرصة سانحة للمضاربين على الهبوط فيبادرون بممارسة عملية المضاربة.

٧- الفساد الحكومي والقلاقل السياسية: في كثير من هذه الدول التي ضربتها الأزمة الاقتصادية شاع الفساد السياسي بصوره الذميمة العديدة، وتحالف رجال الحكم مع الأصدقاء في عالم الأعمال، وقدموا لهم تسهيلات سخية من بنوك الدولة، وحموهم من دفع ما عليهم من ضرائب، ومن سداد ما عليهم من ديون وحقوق، فقام هؤلاء الأثرياء الجدد بأعمال القرصنة على حد تعبير أحد المراقبين، إضافة إلى الحكم الفردي وانعدام ظاهرة المشاركة السياسية، بل وانعدام عملية الشورى، ومن باب أولى المتابعة الجادة والمساءلة الفعالة.

ثم إن القلاقل السياسية والاضطرابات الداخلية ومع الدول المجاورة كل ذلك يولد عامل الخوف ويزعزع من عامل الأمان، وهذا قد أوجد ظاهرة النقود الساخنة (Hot Money) . والتي تتميز بسرعة الحركة وسرعة التبخر معًا. والتي تتحرك بشكل دائب من مكان لآخر سعيًا وراء الربح السريع، وبالطبع فإن الذي يمارس ذلك بمقدرة هم المضاربون المحترفون.

هذه إشارة موجزة إلى ما يمكن اعتباره بيئة خصبة لقيام ونمو النشاط المضاربي في سوق الصرف الأجنبي، وهي إذا كانت بمثابة إغراءات للمضاربين فهي تحذيرات قوية للدول الحريصة على عملتها وعلى تماسك اقتصادها.

<<  <  ج: ص:  >  >>