للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعمومًا لا أود استباق الأمور وسوف أحاول أن ألخص ما قيل في أسباب أزمة تلك الدول. علمًا بأني مدرك أن تحليل الأمور بعد (أن يقع الفأس في الرأس) فيه كثير من الانفعال وعدم الدقة، وإن كان فيه الكثير من الحقائق ويوفر الكثير من المعلومات التي كانت غائبة.

١- أولى الحقائق تقول: إن الانفتاح الذي شكل عاملاً أساسيًا للنمو أفرز نقيضه تمامًا، كما أن عوامل قوة اقتصاد تلك الدول أضحت إحدى أهم مظاهر ضعفه!

لقد ساعدت سمعة واستمرار نمو الاقتصاديات الآسيوية على جذب تدفقات أجنبية رأسمالية هائلة جاءت المنطقة بحثًا عن المردودية العالية من أسعار فائدة مرتفعة، وارتفاع في مؤشرات البورصة، ولقد استخدم جزء كبير من تلك التدفقات في أنشطة واستثمارات غير مباشرة كالعقارات والمضاربة في البورصات عوضًا عن تمويل النشاط الحقيقي، فانفك الارتباط بين دائرة الاقتصاد الحقيقي التي تنمو ببطء نسبي مقارنة بدائرة الأصول المالية التي تنمو بوتيرة متسارعة.

لقد شهدت هذه الدول كثافة في حركة رؤوس الأموال ومعدلات الاستثمار، بمعدل أكبر من قدرة المؤسسات المالية والاقتصادية في هذه الدول على التحكم فيها واستثمارها بما يتلاءم وصالح اقتصاديات هذه الدول. إن تدفق الأموال إلى هذه الدول قد رفع من معدلات الاستثمار بشكل كبير وصل إلى حوالي (٣٥ %) إلى (٤٠ %) من الناتج الإجمالي المحلي، أي ما يمثل تقريبًا ضعف ما هو عليه الحال في أمريكا ودول أمريكا اللاتينية. مما أعطى الانطباع برخص تكاليف رأس المال الأمر الذي أدى من ناحية إلى التساهل في منح الائتمان، ومن ناحية أخرى إلى توظيف هذه الأموال في مشاريع ليست كلها مجدية، كما حصل في قطاع العقار الذي شهد استثمارات مبالغ فيها قادت إلى فائض في العرض، وبالتالي نزول حاد في أسعار العقارات أضر بالتبعية بالشركات العاملة في هذا المجال، وحال دون قدرتها على تسديد ديونها، الأمر الذي أزمّ كثيرًا من أوضاع البنوك وزاد من قروضها المعدومة وأضعف بشكل خطير من مراكزها المالية.

٢- يرى البعض أن من أسباب الأزمة تزايد العجز في ميزان المدفوعات لأسباب عديدة، منها ارتفاع أسعار صرف عملات تلك الدول نظرًا لارتباطها بعلاقة ثابتة بالدولار، الذي ارتفع سعر صرفه مقابل العملات الأخرى وخصوصًا (الين) الياباني خلال السنوات القليلة الماضية، وخفض الصين لسعر صرف عملتها بنسبة (٣٠ %) في عام ١٩٩٤م مما جعلها قوة تصديرية تنافسية كبيرة في مواجهة دول جنوب شرق آسيا، حيث دخلت مجال تصدير السلع كثيفة العمل التي تميزت بإنتاجها دول جنوب شرق آسيا، هذا بالإضافة إلى انخفاض الطلب العالمي على صناعة الإلكترونيات. وقد أدت تلك العوامل إلى انخفاض الصادرات.

<<  <  ج: ص:  >  >>