في هذا المحور سوف نستعرض حقيقة ما حدث وفق التحليلات والاستقراءات السائدة، ونرسي معالم أساسية لموقف فقهي واقتصادي من المضاربة في العملات.
أولاً – حقيقة ما حدث في دول جنوب شرق آسيا:
لقد بدأت أزمة دول جنوب شرق آسيا تتكشف معالمها في تايلاند عندما بدأ هجوم المضاربين ضد (البات) التايلندي حيث أنفقت الحكومة (٢٣.٤) مليار دولار، ورفعت أسعار الفائدة إلى ما يزيد عن (٣٠ %) في محاولة مستميتة للدفاع عنه، إلا أنها عجزت عن حمايته وفقد البات (٣٠ %) من قيمته، وعندما امتدت الأزمة إلى كل من أندونيسيا والفلبين، وكوريا وماليزيا كانت أبرز مظاهرها الانخفاض الشديد في قيمة عملات تلك الدول.
فالأزمة إذن بدأت ببوادر انهيار في أسعار العملات، وانتهت بانهيار كبير في أسعار عملات تلك البلدان تجاه الدولار.
إلا أن ذلك الوجه البارز للأزمة يجب أن لا يشغلنا عن حقيقة الأزمة هل هي أزمة نقدية مالية، أم أزمة اقتصادية هيكلية شاملة؟ فكما نعلم فإن أسعار الصرف تعتبر أداة ربط بين اقتصاد مفتوح وباقي اقتصادات العالم، وفي الوقت نفسه تلعب أسعار الصرف دورًا بارزًا في تحديد القدرة التنافسية للاقتصاد، وبالتالي في وضع ميزان المدفوعات وفي معدلات التضخم والنمو الحقيقي كما أن حركة التصحيح الاقتصادي تبدأ عادة بتعديل أسعار صرف العملة. (١) .
هذا الدور المهم لأسعار الصرف، ولأنها محل انعكاس كل السياسات الاقتصادية جعل الكثيرين يتجهون بالأساس إلى المضاربة في العملات باعتبار أنها العامل الحاسم فيما آل إليه وضع تلك البلدان وقد يكون البعض قد نسي أنه وفي ظل اقتصاد مفتوح مسموح به بالتداول الحر وتحويل العملات، ومستقطب لرؤوس أموال ضخمة تم ضخها في ذلك الاقتصاد، فإن أية بوادر أو مظاهر لاختلالات أساسية في ذلك الاقتصاد يجعل رؤوس الأموال تهرب، وبالطبع فإن أول محطة للهروب تتمثل في التخلي عن العملة المحلية، واقتناء العملة الأجنبية مما يشكل ضغطًا هائلاً على العملة المحلية ينذر بتداعيات خطيرة.
(١) انظر د. علي توفيق الصادق؛ د. نبيل عبد الوهاب لطيفة، سياسات وإدارة أسعار الصرف؛ القضايا الخيارات والمضامين؛ ورقة عمل مقدمة إلى ندوة سياسات وإدارة أسعار الصرف في البلدان العربية، ص ٥ وما بعدها.