للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- أما إذا كان الضرر قليلاً أو نادر الوقوف، فلا يلتفت إليه إذ العبرة بأصل الحق الثابت فلا يعدل عنه إلا لعارض الضرر الكثير بالغير.

- أن تكون المصلحة من اتباع السياسات المقيدة للمتاجرة في العملات راجحة في تقدير أهل الاختصاص والمعرفة.

ولكن أود أن أعترف أنه وبناءً على ما أوردناه ونحن نستعرض واقع التعامل في العملات دوليًّا قد يصعب إن لم يستحل التعرف على نوايا المتعاملين، كما أنه قد يتعذر على السلطات المختصة التحكم في مسار عمليات الصرف، إلا أنه يمكن اتخاذ الكثير من الإجراءات التي تستهدف بالأساس تقليل عمليات المتاجرة في العملات بقصد المضاربة كما سوف نوضح في المحور الرابع من ورقة العمل هذه.

ثالثًا – تأصيل موقف الاقتصاد الإسلامي من الاتجار في النقود:

كما أوضحنا سابقًا فإن الأثمان في الفقه الإسلامي اختصت بأحكام تغاير أحكام السلع والعروض، وذلك مثل اشتراط القبض عند مبادلتها ببعض، وتحريم بيعها لأجل، ويأتي ذلك بسبب منهجية واضحة نظرت للنقود على أنها من قبيل الوسائل، وليس من قبيل المقاصد، فأعطيت تصورات وأحكام تتلاءم مع طبيعتها (١) يقول ابن رشد:

"المقصود من النقود المعاملة أولاً لا الانتفاع، أما المقصود من العرض فهو الانتفاع أولاً لا المعاملة" (٢) ، ويقول في مكان آخر: " وأما الدينار والدرهم فالمقصود منهما تقدير الأشياء التي لها منافع ضرورية"، ويتضح هذا التوجه بجلاء في قول الغزالي: " فخلق الله تعالى الدراهم والدنانير حاكمين متوسطين بين سائر الأموال حتى تقدر بهما الأموال إذ لا غرض في أعيانهما – إلى أن يقول – كذلك النقد لا غرض فيه وهو وسيلة إلى كل غرض" (٣) .

يقودنا ذلك إلى تقرير حقيقة بدهية وهي أن قواعد الفقه الإسلامي تعتبر أن وظيفة النقود الأساسية كونها وسيطًا للتبادل، وهذه بالفعل حقيقة بدهية لا تتطلب المزيد من التأكيد عليها. وقد أشار إليها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، حينما أتاه عامله على خيبر بتمر جنيب (٤) فقال صلى الله عليه وسلم: ((أكل تمر خيبر هكذا؟ قال: لا والله يا رسول الله، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بثلاثة)) فقال صلى الله عليه وسلم: ((لا تفعل بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبًا)) (٥) ، ويدل الحديث إلى جانب منع بيع الجنيب بجنسه متفاضلاً، إلى توجيهه صلى الله عليه وسلم للرجل لاستخدام النقود وسيطًا للتبادل (٦) .


(١) د. موسى آدم عيسى، الصرف وبيع الذهب والفضة؛ بحث غير منشور، ص ٣.
(٢) بداية المجتهد ونهاية المقتصد: ١ / ٢٥١.
(٣) إحياء علوم الدين: ٤ / ٨٦ – ٨٧.
(٤) الجنيب قيل: هو الطيب. وقيل: الصلب وقيل: الذي أخرج منه حشفته ورديئه.
(٥) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: ٤ / ٣١١.
(٦) أحمد مجذوب أحمد، السياسة النقدية في الاقتصاد الإسلامي، دار اللواء، ص ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>