للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول الشيخ عبد الرحمن تاج: " إن ولي الأمر إذا رأى شيئًا من المباح قد اتخذه الناس عن قصد وسيلة إلى مفسدة، أو أنه بسبب فساد الزمان أصبح يفضي إلى مفسدة أرجح مما قد يفضي إليه من المصلحة، كان له أن يحظره ويسد بابه، ويكون ذلك من الشريعة، وعملاً بالسياسة الشرعية التي تعتمد على قاعدة سد الذرائع " (١) .

ويقول الزحيلي: "وكذلك يحق للدولة التدخل في الملكيات الخاصة المشروعة لتحقيق العدل والمصلحة العامة، سواء في أصل الملكية أو في منع المباح " (٢) .

ويشرط في ذلك أن يكون الإجراء استثنائيًّا مرهونًا بوقت الحاجة.

ويورد أصحاب هذا الاتجاه عدة شواهد تم فيها تقييد التصرفات المباحة وذلك مثل:

- قصة الصحابي سمرة بن جندب الذي كان له نخل في حائط أحد الأنصار عندما اشتكى من دخوله عليه وعلى أهله، فنصحه صلى الله عليه وسلم ببيعه أو قطعه أو هبته فعندما رفض، قال له صلى الله عليه وسلم: أنت رجل مضار وأمر الأنصاري بقلع نخله.

- وقول عمر بن الخطاب للضحاك الذي منع مرور جدول مياه عن طريق أرضه إلى أرض جار له: "والله ليمرن به ولو على بطنك" (٣) .

- أمر سيدنا عثمان شرطته بإمساك ضالة الإبل بالرغم من أن السنة حرمت إمساكها لما رآه من تغير أحوال الناس وأخلاقهم (٤) .

ويتضح لي بعد الاطلاع على جوانب الموضوع في مختلف المصادر أنه وفيما يختص بالمتاجرة في العملات لغرض الكسب من فروق الأسعار عن طريق المضاربة، وليس استجابة لحاجات حقيقية في التعامل، فلولي الأمر (السلطة المختصة) أن يمنع أو يقيد عمليات المتاجرة في العملات، وله أن يتدخل بكل الوسائل المتاحة في تنظيم آلياتها وتحديد الأسعار، ووضع سقوف لتحركاتها متى ما أظهرت الدراسات والوقائع أن ذلك التصرف ملائم، ويحقق المصلحة ويدفع المفسدة، ويحفظ استقرار النشاط الاقتصادي ويدعم السياسات المقررة، ويدعم الميزان التجاري وميزان المدفوعات ولا يحد ذلك إلا بالتالي:

- أن يكون الضرر الكلي الناتج عن تلك المتاجرة مؤكد الوقوع أو كثيرًا غالبًا، حتى ولو كانت تلك المتاجرة تحقق مكاسب لأفراد بعينهم، لأنه يتحمل الضرر الخاص في سبيل تفادي الضرر العام.


(١) الشيخ عبد الرحمن تاج، السياسة الشرعية والفقه الإسلامي، ص ٧٦.
(٢) وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته: ٥ / ٥١٨، دار الفكر.
(٣) الموطأ: ٢ / ٢١٨.
(٤) نيل الأوطار: ٥ / ٣٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>