للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى جانب هذه الوظيفة الأساسية هناك وظائف أخرى للنقود المستقرة قيمتها نسبيًّا وهي كونها مقياسًا للقيم، ومخزنًا للقوة الشرائية وأداة للمدفوعات المؤجلة.

هذه الوظائف الأساسية للنقود لم ينفرد بها الاقتصاد الإسلامي وإنما اعتمدتها الاقتصاديات الوضعية، إلا أن النظم الوضعية لم تجهد في مجال التشريع على صيانة حرمة هذه الوظائف وحماية النقود من استغلالها في وجوه تعامل تناقض تلك الوظائف النقدية (١) ، بينما نجد أن الفقه الإسلامي حرص على تحقيق الاستقرار في النقود كمقياس للقيمة حتى لا يتظالم المتعاملون ولتكون أداة كفؤة وعادلة للتبادل، ولم يعتبرها بحد ذاتها مصدرًا للرزق وآداة للدخل، فمنع بيعها بالأجل وإقراضها بزيادة (٢) .

إلا أن البعض قد لا يرى أن المنع متصل مباشرة بمنع المتاجرة في العملات، لأن الإسلام أباح وبإطلاق شراء العملات ببعضها البعض وفق الشروط الفقهية المعتبرة في ذلك، لأن هناك أغراضًا مشروعة حقيقية يوصل إليها التبادل العاجل للعملات أشرنا إليها سابقًا (٣) .

ولكن يظهر وفي الوقت نفسه أن هناك موقفًا حاسمًا مضادًّا لأن تكون المتاجرة في العملات سلوكًا استثماريًّا معتبرًا غير مرتبط بمعاملات حقيقية، وأرى أنه من المهم أن نورد بعض أقوال أئمة الفقه في هذا الشأن:

- يقول ابن القيم: " ويمنع المحتسب من جعل النقود متجرًا، فإنه بذلك يدخل على الناس من الفساد ما لا يعلمه إلا الله بل الواجب أن تكون النقود رؤوس أموال يتجر بها ولا يتجر فيها " (٤) .

- ويقول في إعلام الموقعين: "حين اتخذت الفلوس سلعة تعد للربح عم الضرر وحصل الظلم" (٥) .


(١) بالطبع تحاول النظم النقدية من خلال السياسات والإجراءات الحكومية وعبر المنظمات الدولية مقاومة الآثار السالبة الناتجة عن تلك التجاوزات، ولكنها لم تسن تشريعات تحول ابتداء دون تلك الممارسات.
(٢) د. محمد القري، مقدمة في أصول الاقتصاد الإسلامي، دار حافظ، ص ١٢٣.
(٣) انظر، ص ٣٤٧.
(٤) ابن القيم: الطرق الحكمية، ص ٢٨١.
(٥) ابن القيم، إعلام الموقعين: ٢ / ١٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>