للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبناءً على هذه الأحكام المجمع حولها أبدي الرأي في مختلف أشكال عمليات تبادل العملات مع بعضها على النحو التالي:

١ - عمليات الصرف العاجلة:

تعتبر عمليات الصرف العاجلة جائزة شرعًا بنص الأحاديث وبإجماع الفقهاء، ومن الأدلة ما رواه عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء)) (١) .

ومن الأدلة كذلك حديث عبادة بن الصامت وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((الذهب بالذهب والفضة بالفضة. . .)) إلى أن قال: ((مثلاً بمثل سواء بسواء يدًا بيد، فإن اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد)) (٢) .

ولأن العمليات العاجلة لا تتم بالتسليم في مجلس العقد على النحو الذي قد يفهم من الاسم يجدر أن نذكر بأن العمليات العاجلة يقع التسليم فيها خلال يومي عمل لاحقين ليوم العقد (٣) ، ويعود السبب في ذلك لأمور تنظيمية وإدارية لتمكين الأطراف المعنية من التأكد من صحة كل جوانب العملية وتدقيقها وإنجاز الوثائق الخاصة بها.

وعلى هذا الأساس فهل نعتبر أنها عقود صرف يتأجل فيها البدلان إلى المدة المتعارف عليها دوليًا فتصير غير جائزة، أم أنه يمكن عدم اعتبار عمليات الصرف العاجل من العمليات الآجلة؟

وقبل الإجابة على هذا التساؤل لا بد من الإشارة إلى نقطتين:

الأولى: عدم إمكانية إجراء التقابض الحقيقي أو الحكمي للعوضين لظروف خارجة عن إرادة المتعاقدين، حيث إن عملية الصرف تتم عبر بلدان متباعدة، وتشترك في تنفيذها عدة أطراف، الأمر الذي حتم الاتفاق على مثل هذه المدة من الزمن حتى يمكن تنفيذها بدقة.

وعلى هذا فيمكن التقاضي عن هذه المدة تطبيقًا للقاعدة المتفق عليها بين العلماء وهي: (المشقة تجلب التيسير) ، والتي من مقتضاها العفو الشرعي عن كل ما يعسر أو يشق تحاشيه من المحرمات أو النجاسات لقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥] ، وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨) ، ويقول السيوطي: هذه القاعدة يرجع إليها غالب أبواب الفقه (٤) ، ووجه المشقة الذي يصعب تحاشيه هو عدم إمكانية إجراء عملية الصرف من دون الالتزام بهذه الإجراءات التي أصبحت أعرافًا دولية ونظمًا عالمية.

الثانية: المصلحة الراجحة والحاجة الخاصة التي تنزل منزلة الضرورة: من المتفق عليه أن كثيرًا من فئات المجتمع تحتاج إلى العملات الدولية للوفاء بالتزاماتها تجاه الآخرين، يصدق ذلك على الدول وعلى التجار والصناعيين وغيرهم حيث إن ثمن البضائع المستوردة يتم تسديده بواسطة العملات الدولية كالدولار والإسترليني وغيرهما. والحصول عليها ليس ممكنًا إلا من الأسواق الدولية وفقًا للطرق المتبعة حاليًا. وعلى هذا يمكن القول: إن عمليات الصرف العاجل تفي بمصالح راجحة في الميزان الشرعي، كما أن في منع التعامل فيها مشقة وحرج وضياع مصالح معتبرة (٥) .


(١) رواه ابن ماجه: ٢ / ٧٥٩؛ والبيهقي: ٥ / ٢٧٦.
(٢) رواه الستة إلا البخاري؛ انظر صحيح مسلم: ٣ / ١٢١١.
(٣) انظر ص ٤٨٨.
(٤) الأشباه والنظائر: ١٦٧.
(٥) د. موسى آدم عيسى، الصرف وبيع الذهب والفضة المرجع السابق، ص ٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>