فالمستفاد من هذه الروايات عدم مفطرية غير الطعام والشراب، فتقيد بها الإطلاقات الدالة على مفطرية الأكل والشرب، وإن كان المأكول والمشروب غير متعارف.
هذا غاية ما يمكن أن يقال في مقام الاستدلال للقول الثاني.
وقد أجيب عنه: أما عن الروايات الحاصرة فبوجوه:
الأول: الظاهر أن الحصر في الصحيحة إنما لوحظ بالقياس إلى سائر الأفعال الخارجية والأمور الصادرة من الصائم، دون ما للطعام والشراب من الخصوصية، وليست الصحيحة بصدد بيان المراد من الطعام والشراب وأنه مطلق المأكول والمشروب أم خصوص المعتاد منهما، فلا تدل على حصر المفطِّر في العادي.
ويشكل عليه: أن الحصر وإن كان إضافيًّا، ولكنه يستفاد منه - على أي حال - أن ما لم يكن من هذه الأمور المذكورة لا يضر الصائم، وحينئذ نقول: إن ما ليس بمتعارف لا يصدق عليه أحد هذه الأمور، يعني لا يصدق عليه الطعام والشراب، فلا يضر الصائم.
وبالجملة لا نريد أن نتمسك بإطلاق الطعام والشراب حتى يَرد عليه ما ذكر.
الثاني: أن كلمتي الطعام والشراب مجملتان؛ لإمكان أن يكون المراد منهما المعنى المصدري، أي الأكل والشرب - كما ذكر في القاموس - لا الذوات الخارجية، أي المطعوم والمشروب، فلا تصلح لتقييد المطلقات.
ويرد هذا بأنه: مضافًا إلى بعد هذا الاحتمال في نفسه، يبعده ما ورد في صحيحة ابن أبي يعفور من قوله عليه السلام:" إنه ليس بطعام يؤكل " حيث وصف الطعام بأنه يؤكل؛ وتوضيحه: أنه لو كان الطعام بمعنى الأكل لا يمكن أن يتصف بأنه يؤكل، فظهور الطعام في المطعوم ثابت.
الثالث: أن عموم الرواية الحاصرة يخصص بالأدلة الدالة على المفطرية.
توضيحه: أن الرواية الحاصرة أعم من أدلة الأكل والشرب مطلقًا؛ لأن مفادها عدم الإضرار وعدم مفطرية شيء في العالم سوى هذه الأربعة فتكون عامة، وأدلة الأكل والشرب خاصة، لاختصاصها بعنوان الأكل والشرب فقط - وإن كان لهذه الأدلة العموم أيضًا بالنسبة إلى أفراد- فيخصص بها.