للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أدلة القول الأول (المفطرية) :

ويمكن أن يستدل له بأمور:

الدليل الأول:

الإطلاقات من الكتاب والسنة، كالآية الكريمة (١) وتقريب الاستدلال يتوقف على بيان أمرين:

١- أن الضابط في الأكل والشرب - كما أثبتناه - إيصال الشيء المأكول والمشروب إلى الجوف بالبلع من طريق الحلق، وإن لم يكن متعارَفًا. (٢)

٢- حذف المتعلق يدل على العموم كما ثبت في محله.

وحينئذ نقول: لما كان متعلق الأكل والشرب محذوفًا، نستنتج ممنوعية كل ما يكون متعلقا للأكل والشرب، يعني كل ما يصل إلى الجوف بالإرادة من طريق الحلق سواء أكان متعارفًا أم لا.

ويؤيد ما ذكرنا (٣) ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن العلاء، عن محمد بن مسلم، عن الإمام الصادق عليه السلام، أو الإمام الباقر عليه السلام أنه سئل عن المرأة تكتحل وهي صائمة؟ فقال: إذا لم يكن كحلًا تجد له طعما في حلقها فلا بأس.

والرواية معتبرة لوثاقة جميع رواتها، ولا نطيل بالتفصيل، حيث يمكن أن يستفاد منها أن الضابط في الإضرار بالصوم الوصول إلى الحلق، وإن لم يكن مأكولًا (متعارفًا أكله) كما في الكحل غالبًا.

وقد يستشكل عليه بأمور:

الإيراد الأول: الانصراف: بيانه أن الأكل والشرب ينصرفان - من الذهن العرفي - عن غير المتعارف أكله وشربه، فلا تشمله الإطلاقات.

والجواب:

أولاً: أن الانصراف يحتاج إلى منشأ، ولا يمكن أن يكون هذا المنشأ غلبة وجود المتعارف، وإنما يكون منشأ الانصراف أنس الذهن، وهو يحصل بغلبة الاستعمال وغلبة الاستعمال البالغة حدًّا يوجب الانصراف غير محرزة، فلا وجه للانصراف.

وثانياً: أنه لو كان المنصرف إليه ما اعتاده غالب الناس - أي التعارف النوعي - فيلزم اختلاف المفطِّر مع اختلاف عادات الأغلبية باختلاف الأزمنة والأصقاع، وهو فاسد، وإن كان ما اعتاده كل مكلف بشخصه ففساده أظهر، بل يكون ضروريًّا؛ لاستلزامه عدم بطلان صوم من لا يعتاد أكل الخبز مثلا، ومن لا يعتاد شرب الشاي بأكل الخبز وشرب الشاي.

الإيراد الثاني: أن ما ذكرتم من دلالة حذف المتعلق على العموم صحيح مع تحقق عنوان المتعلق، وحذف المتعلق لا يتكفل لصدق عنوان المتعلق، والمشكلة هي عدم صدق عنوان الأكل والشرب، والجواب عنه قد اتضح من تقريب الاستدلال أن صدق العنوان محرز من الخارج.

الإيراد الثالث: لو سلم الإطلاق فلابد من تقييده بالنصوص الدالة على أن المفطِّر ما تعارف أكله وشربه، وهو الطعام والشراب.

والجواب عن هذه النصوص يأتي، إن شاء الله تعالى، عند التعرض لها دليلًًا للقول الثاني.


(١) سورة البقرة: ١٨٧
(٢) كما استعمل الأكل في غير ما هو المتعارف أكله وشربه في بعض الروايات الشريفة، فراجع، ويستعمل كثيرًا كذلك في الاستعمالات العرفية.
(٣) التهذيب: ٤/ ٢٥٩، وص ٩؛ الاستبصار: ٢/ ٩٠؛ الوسائل (آل البيت) : ١٠/ ٧٥، وص ٥

<<  <  ج: ص:  >  >>