ثم قال: وقد ظهر أن الاعتبار في هذا مختلف من ٤ إلى ١٢ درجة، والحق أنه يختلف باختلاف البقاع والزمان من صيف وشتاء وربيع وخريف، ولنرجح قول ابن الشاطر والمرصد الفلكي المصري، وقد نحا نحوها القلقشندي لأن صاحب الشرع أمر بالاحتياط في هذا المقام.
وقد أطلنا بذكر اختلاف علماء الفلك والحساب أصحاب التقاويم القديمة والحديثة {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} ويتبين الحق من الباطل، ولتعلم أن الخير فيما ارتضاه الشارع الحكيم: أن الشهر من الرؤية إلى الرؤية، وأن العبرة بالوضع الهلالي لا بالاجتماع الحقيقي الذي يتقدم به الشهر يومًا أو يومين، ولا بالاجتماع الوسطي الذي يجعل الأشهر الأولى ٣٠ يومًا والثانية ٢٩ لأن ذلك حساب تقريبي فقد ثبت بالرصد أنه قد تتوالى أربعة أشهر ثلاثين، وثلاثة أشهر ٢٩ ولا يتوالى أكثر من ذلك بحساب الرصد.
وقال الشيخ أبو العلا في جواب السؤال الآتي: ما نوع الحساب المتبع في النتائج المصرية؟ إن حساب الشهور القمرية العربية المتبع نشرها في نتيجة الحكومة المصرية التي تحررها مصلحة المساحة، وغيرها كنتيجة الحلبي والزغبي والجنايني وغيرهم، مبني على (الوضع الاجتماعي) بمعنى أن يجعل فيه أول الشهر الليلة التي تلي الاجتماع مباشرة، وإن لم يمكث القمر فيها على الأفق بعد غروب الشمس غير دقيقة واحدة، وهذا الحساب الفلكي الاجتماعي كان هو المتبع لمعرفة أوائل الشهور القمرية في الأديان المتقدمة على الإسلام، كما كان معروفًا عند الأولين منهم بطريق تقريبية كطريق الأوساط عند المنجمين منهم، والمنازل عند العرب، وكانوا لا يبالون بأن هذه الطرق التقريبية تقدم الشهر يومًا أو تؤخره عن الاجتماع الحقيقي، وهي وإن أحكمت قواعدها بعد حتى صارت تنتج الاجتماع الحقيقي بالضبط إلا أن هذه الأحكام لم يخرجها عن دائرة النسخ الذي طرأ عليها في الإسلام باعتماد (الوضع الهلالي) بدل (الوضع الاجتماعي) بقوله صلى الله عليه وسلم ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) وليس أدل على أن المساحة تلتزم في حسابها لنتيجة الحكومة بدء الشهر بالوضع الاجتماعي من اعترافها نفسها في مبدأ هذه النتيجة بقولها: ويبدأ الشهر العربي من ليلة الاستهلال: وينتهي باستهلال الشهر التالي ويتعين الاستهلال شرعًا برؤية الهلال، ولما كانت رؤيته تتوقف على أمور متغيرة كعرض القمر، وحالة الجو، ودقة الهلال، ومقدار نوره، وغير ذلك، والحساب لا بد من أن يكون مبنيًا على أساس ثابت لذا اعتمد الحاسبون في تعيين أول الشهر على اجتماع الشمس والقمر، فإذا ما وقع الاجتماع كانت أول ليلة يغرب فيها القمر بعد غروب الشمس هي أول الشهر، وما قبلها يكون من الشهر الماضي، وهذا هو المتبع في حساب الشهور العربية في هذه النتيجة، وقد تتفق الرؤية مع الحساب، وقد يتقدم الحساب على الرؤية بيوم في الأكثر وبيومين في الأقل، ولا يمكن أن تتقدم الرؤية على الحساب.