وقد حصر فقهاء الشريعة الإسلامية صفات القمر ليلة الثلاثين من الشهر الهلالي في ثلاث حالات بالاتفاق مع الفلكيين الشرعيين علماء الرصد والهيئة:
أولها: تقطع فيها بوجود القمر فوق الأفق الغربي بعد غروب الشمس عقب الاجتماع مع القطع بامتناع رؤيته، وهنا يرد القاضي شهادة الرؤية، قال السبكي: وأجمع المسلمون فيما أظن على أنه لا حكم لما يقوله الحاسب من مقارنة القمر للشمس إذا كان غير ممكن الرؤية لقربه منها، سواء أكان ذلك وقت غروب الشمس أم قبله أم بعده.
ثانيها: يقطع فيها بوجود القمر كذلك مع جواز رؤيته، وهنا يقبل القاضي شهادة الرؤية.
ثالثها: يقطع فيها بوجوده كذلك ورؤيته معًا، بأن يبين الحساب الموثوق به أن الهلال واضح وضَّاء، وهنا محل خلاف العلماء في اعتماد الحساب مناطًا لإثبات الشهر عند الإغمام.
ومما لا شك فيه أن الفلكيين الشرعيين في النهضة العلمية الإسلامية استعملوا قواعد حسابية مبرهنة، لمعرفة كل حالة من هذه الحالات للهلال في أول كل شهر، حتى مقادير نوره ونسبتها إلى البدر، وفتحة قوسه نحو الشمال أو الجنوب أو الأعلى، ومقدار مكثه وارتفاعه عن الأفق، وغير ذلك مما يحدد كل حالة من هذه الحالات الثلاث، ما يصحح الاعتماد على حساب الوضع الهلالي الحقيقي في إثبات كل من الحالات الثلاث بشروط:
الأول: أن يكون من النوع الهندسي التحديدي المبرهن.
الثاني: أن ينتج إحدى حالات الرؤية الثلاثة - الاستحالة والإمكان والوجوب- بحدودها وشروطها.
الثالث: أن يتفق على استخراج هذه النتيجة عدد من الحاسبين يؤمن تواطؤهم على الخطأ بحيث يثق القضاء بها ولو ظنًا، ليتمكن من تطبيق حكمه عليها من رد الشهادة أو قبولها أو اجتهاده بثبوت الشهر.
وبعد أن نقلنا إليك طرفًا من أقوال المنجمين والحسابين وأصحاب التقاويم قديمًا وحديثًا في تحديد أوائل الشهور العربية نسمعك آراء أئمة الفقه في صحة الاعتماد على الحساب الفلكي لنخلص بعد ذلك إلى ما هو أقرب إلى الحق وأشبه بالصواب في هذا الباب.