للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول الشيخ شلتوت: جاء الإذن في الآية الكريمة ولم تعلله بنشر الإسلام أو إلجاء الناس إليه، وإنما عللته بما وقع على المسلمين من ظلم، وما أكرهوا عليه من الهجرة والخروج من ديارهم من غير حق إلا أن يقولوا كلمة الحق (١) ويؤكد هذا المعنى الشيخ محمد الطاهر بن عاشور (إن الإسلام بدئ بدعوة رجل أرسله الله تعالى بالدين فدعا الناس إليه فآمن به أول الأمر خديجة وأبو بكر وعلي وسعد بن أبي وقاص قال سعد: لقد مكثت سبعة أيام وأنا ثلث الإسلام فاستخف بهم المشركون، فلما أخذ المسلمون يكثرون تنمر لهم المشركون وناصبوهم العداء فصار المسلمون عرضة لأذى المشركين بمختلف الأذى على نسبة استضعافهم من يؤذونه حتى اضطر جمع من المسلمين إلى الهجرة إلى الحبشة ثم هاجر بقية المسلمين إلى المدينة ولم يبق بمكة إلا المستضعفون من الرجال والنساء والصبيان، فنزل قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ} [الحج: ٣٩ – ٤٠] وقال: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} (٢) [النساء: ٧٥] .

بل إن السلام هو من سمات الإسلام البارزة وصفة من صفات أهل الإيمان لذلك يدعوهم ربهم جل وعلا إلى ذلك في قوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة: ٢٠٨] ويبين لرسوله صلى الله عليه وسلم أن أعداءه وإن كانوا غير صادقين في دعوتهم له بالسلم وإن كانوا يضمرون كيدًا وخداعًا فعليه أن يقبل منهم السلام إذا طلبوه منه وليفوض أمره إلى الله ولا يخاف من كيدهم ومكرهم وتوسلهم بالصلح إلى الغدر، فقال {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنفال: ٦١] .

والإسلام يؤكد على عقد المعاهدات والوفاء بها فيقول {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] ويقول {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [الأنفال: ٧٢] .


(١) تفسير القرآن الكريم ص ٥٢٨
(٢) أصول النظام الاجتماعي في الإسلام ص ٢١٦

<<  <  ج: ص:  >  >>