للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تتنوع المعاهدات إلى أنواع فمنها ما يمكن إطلاق معاهدات حسن الجوار عليها كالمعاهدات التي عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هجرته إلى المدينة مع اليهود وقد جاء في بنود هذه المعاهدة ((... وأن من تبعنا من يهود فإن له النصرة والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم)) ومنها ما يصح أن يطلق عليها معاهدات وعقود الأمان وهناك الصلح وهو غالبًا ما يكون عند نشوب الحروب وهذه المعاهدة تخضع لظروف الدول وتلبية حاجاتها ومتطلباتها والإسلام يؤكد على احترام المعاهدات بمختلف أنواعها.

وبيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرصه على التعاون في سبيل القضاء على الخصومات وإزالة أسبابها فيقول: ((لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفًا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أُدْعَى به في الإسلام لأحببت)) (١) .

ويذكر السهيلي عن حلف المطيبين أن سببه ما حدث من خلاف بشأن الحجابة والساقية والرفادة وكاد أن تنشب بينهم حرب بسببها فيقول: (فبينا الناس على ذلك قد أجمعوا للحرب إذا تداعوا إلى الصلح على أن يعطوا بني عبد مناف السقاية والرفادة. وأن تكون الحجابة واللواء والندوة لنبي عبد الدار كما كانت ففعلوا ورضي كل واحد من الفريقين بذلك، وتحاجز الناس عن الحرب وثبت كل قوم مع من حالفوا فلم يزالوا على ذلك حتى جاء الله بالإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما كان من حلف في الجاهلية فإن الإسلام لم يزده إلا قوة)) (٢) .

ومن هذا المنطلق الأساسي التي نهجته الشريعة الإسلامية والمواقف الثابتة للمسلمين منذ صدر الإسلام نستطيع القول بأن التعاون الدولي في سبيل القضاء على أسباب الخلافات التي تنشب بين الدول أمر يقره الإسلام ويحث عليه ولهذا وجدناه الدول الإسلامي من أوائل الدول التي سارعت إلى إقرار ميثاق الأمم المتحدة والتعاون في مختلف نشاطاتها وهيئاتها بما في ذلك محكمة العدل الدولية وكان الدافع لإنشاء هذه المحكمة هي حرص الدول على حل منازعاتها بعيدًا عن قعقعة السلاح وما تخلفه من دمار شامل وإهلاك للحرث والنسل فأخذ المشتغلون بالقانون الدولي أفرادًا وهيئات على تهيئة الظروف وتوجيه الرأي العام نحو فكرة إنشاء محكمة قضائية دولية تفصل في المنازعات القانونية التي تنشأ بين الدول وكان هناك وسائل مختلفة وهذه فكرة موجزة عن تطور ومراحل هيئات التوفيق والتحكيم إلى إنشاء محكمة العدل الدولية وكان أولى هذه الوسائل هي إنشاء لجان التحقيق الدولي وقد تناولت اتفاقية لاهاي (١٨٩٩ – ١٩٠٧) موضوع التحقيق ضمن الوسائل السلمية التي ذكرتها لتسوية المنازعات الدولية والقواعد والإجراءات المتصلة بها.


(١) الروض الأنف جـ ٢ / ٦٣
(٢) الروض الأنف جـ ٢ / ٦٣

<<  <  ج: ص:  >  >>