للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن ذهبت الخوارج إلى عدم جواز التحكيم وأنكروا على علي التحكيم، وقالوا: أخطأ علي في التحكيم إذ حكم الرجال لا حكم إلا لله تعالى (١) .

وذكر الطبري في تاريخ واقعة التحكيم هذه ومحاجة ابن عباس رضي الله عنهما لهم (٢) ثم ما كان من علي رضي الله عنه في بيان زيفهم وزيغهم وأخذ علي رضي الله عنه يبين لهم في أكثر من موقف خطأهم وقام يخطبهم ذات يوم فقال رجل من جانب المسجد: لا حَكَمَ إلا الله، فقام آخر فقال مثل ذلك، ثم توالى عدة رجال يحكمون، فقال علي: الله أكبر، كلمة حق يلتمس بها باطل، أما إن لكم عندنا ثلاثًا ما صحبتمونا: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تبدؤونا، ثم رجع إلى مكانه الذي كان فيه من خطبته (٣) ، ومن هنا كانت واقعة التحكيم التي حصلت بين علي ومعاوية رضي الله عنهما من أخطر قضايا التحكيم في التاريخ الإسلامي وكانت آثارها سلبية على المسلمين إلى أن إلتأم شملهم من جديد عام الجماعة بتنازل الحسن لمعاوية وقال قولته المشهورة: يا أهل العراق، إنه سخّى بنفسي عنكم ثلاث: قتلكم أبي، وطعنكم إياي، وانتهابكم متاعي (٤) والله غالب علي أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

والذي نميل إليه هو قول جمهور العلماء من أن التحكيم جائز على النحو الذي أسلفنا الكلام عليه.

الإسلام ومبدأ التحكيم الدولي:

الإسلام يرجح السلام على الحرب ويجنح إليه ما وجد إلى ذلك سبيلًا ولا يميل إلى الحرب إلا إذا فرضت عليه دفاعًا عن العقيدة وعن النفس والوطن وقد جاءت آيات القرآن الواردة في القتال صريحة في تحديد سبب الحرب قال تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (٤١) } [الحج: ٣٩ – ٤١] .


(١) الملل والنحل للشهرستاني جـ ٢ / ٢٦، ٢٧؛ مقالات الإسلاميين للأشعري جـ ١ / ١٩١ تحقيق محيي الدين عبد الحميد؛ الفرق بين الفرق للبغدادي ص ٧٤ تحقيق الشيخ محيي الدين عبد الحميد
(٢) تاريخ الطبري جـ ٥ / ٦٤ / ٦٥
(٣) تاريخ الطبري جـ ٥ / ٦٤ / ٦٥
(٤) تاريخ الطبري جـ ٥ / ١٥٩

<<  <  ج: ص:  >  >>