وأما الشافعية فلم يقولوا بسد الذرائع ولم يعتبروه أصلا من أصولهم بل شددوا النكير على القائلين به واعتبر الشافعي رحمه الله القائلين به مخالفين للتنزيل والسنة وذلك لسببين أساسيين:
الأول: أن سد الذرائع مظهر من مظاهر الاجتهاد بالرأي وهم لا يأخذون منها إلا بالقياس لأن العلم عندهم خمس طبقات نص عليها الإمام الشافعي رحمه الله وهي: الكتاب والسنة إذا ثبتت والإجماع وقول الصحابي الذي لا يعلم له مخالف وما اختلف فيه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم القياس على بعض الطبقات.
أما الاستحسان والمصلحة وما إليها من وجه العمل بالرأي فقد أبطلها جملة.
الثاني: أن الشافعي رحمه الله كان يرى أن الشريعة تبنى على الظاهر، وأنه يجب ألا تتجاوز في تفسيرها حكم النص. ورفض الاستحسان رفضا قاطعا وقال:(من استحسن فقد شرع) لأن الاستحسان لا يعمد على نص ولما كانت الشريعة تبنى على الظاهر فإنها تنفذ كذلك على حسب الظاهر – فليس للحاكم أن يتكشف نيات الناس، وخفايا نفوسهم. وقد نقلنا شيئا من أقواله رحمه الله فيما سبق من البحث. وعلى أساس هذا الظاهر التزم الشافعي في حكمه على العقد بحسب ما تدل عليه ألفاظه وما يستفاد منه في اللغة وعرف العاقدين في الخطاب من حيث الصحة والبطلان. ولا اعتبار للنيات الباطنة في العقود ولذا نجده يقول:(أنه لا يفسد عقد أبدا إلا بالعقد نفسه، لا يفسد بشيء نقدمه ولا تأخره، ولا بتوهم ولا بأغلب، وكذلك كل شيء لا نفسده إلا بقصده ولا تفسد البيوع بأن يقول: هذه الذريعة وهذه نية سوء (١) ... إلخ. وقد نقلنا عنه ذلك في أثناء البحث ولذا أجاز رحمه الله صور بيوع الآجال لأن عقودها صحيحة.