للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأنت ترى أن المالكية اختاروا حكم التغليظ مع إمكان سد الذريعة بما دونه كما في تحريم الزواج أبدا بمن عقد عليها في عدتها.

وقد يكون هذا الاختيار مخالفة لنص ثابت ككراهة الإمام لصوم الست من شوال ونحو ذلك. والحاصل أن إعمال سد الذرائع في هذا الزمان أصبح ضرورة بعد فساد كثير من الناس، وعدم الورع لدى غالبهم، إلا أن الغلو فيه فيما لا مبرر شرعي ولا عقلي له غير مقبول فقد ذكروا مثلا أن مالكا رحمه الله أمر بحبس ابن مهدي لوضعه الرداء بين يديه أثناء الصلاة واعتبر مالك رحمه الله ذلك حدثا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أما الحنفية فقد وردت شواهد في فقههم عند سد الذرائع ومع أنهم لا يعتبرون سد الذرائع أصلا من أصولهم كالمالكية لعدم اعتبارها لصحة العمل به إلا أننا نجدهم يطبقون هذا الأصل من خلال ما يلي:

١- الاستحسان الذي هو أصل عندهم وهو باب واسع توسع فيه الأحناف أكثر من غيرهم فمن خلاله يلجون إلى العمل بالمصلحة وسد الذرائع إذ إن بعض صور الاستحسان عندهم لا تختلف عن صور سد الذرائع عند المالكية.

٢- عملهم بسد الذرائع في فروع كثيرة منها:

١- المنع من بعض صور بيوع الآجال لأن من الشروط المعتبرة في صحة العقود عندهم خلوها من شبهة الربا لأن الشبهة ملحقة بالمحرمات احتياطا (١) .

٢- استحباب صوم المفتي ليوم الشك وينبغي أن يفعله سرا حتى لا يتهم بالعصيان ويفتي العامة بالتلوم والانتظار بدون طعام ولا شراب حتى وقت الزوال ثم يأمرهم بالإفطار حسما لمادة اعتقاد الزيادة.

وهذا تطبيق لسد الذرائع يشهد بإعمال الحنفية له (٢) .

٣- نص علماء الحنفية على تحريم اللمس والقبلة للمعتكف معللين ذلك بأنها من دواعي الوطء المحرم عليه بقوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (٣) [البقرة: ١٨٧] .

٤- نصوا على أن ما أدى إلى الحرام فهو حرام، وأن الوسيلة إلى الشيء حكمها حكم ذلك الشيء وهذا أصل الحكم بسد الذرائع.

مثال: قولهم: (ولا يباح للشواب الخروج إلى الجماعات لنهى عمر عن ذلك. ولأن خروجهن إلى الجماعة سبب الفتنة والفتنة حرام وما أدى إلى الحرام فهو حرام (٤) إلى غير ذلك من المسائل التي لا يتسع المقام في هذا البحث المختصر لذكرها.ومع كون الشواهد واضحة الإستعمال في سد الذرائع إلا أنهم لا يعتبرونه أصلا عندهم بل وينكرون على المالكية القول بسد الذرائع وكأنهم يفسرون ذلك بتحريم الوسائل كما هو الحال عند الشافعية. والله أعلم.


(١) انظر بدائع الصنائع للكاساني جـ٥/١٩٩
(٢) انظر فتح القدير جـ٢-٥٧؛ وبدائع الصنائع ج: ٢/٧٨
(٣) فتح القدير جـ٢/١١٣
(٤) بدائع الصنائع جـ١/١٥٧؛ وانظر سد الذرائع من ٦٥١-٦٥٥

<<  <  ج: ص:  >  >>