للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي جواز بيوع الآجال عند الشافعي يقول رحمه الله: "من باع سلعة من السلع إلى أجل وقبضها المشتري فلا بأس أن يبيعها من الذي اشتراها منه بأقل من الثمن أو أكثر بدين أو نقد، لأنها بيعة غير البيعة الأولى. قال: "وإذا اشترى الرجل طعاما إلى أجل فقبضه فلا بأس أن يبيعه ممن اشتراه منه، ومن غيره بنقد، وإلى أجل، وسواء في هذا المعين وغير المعين (١) فأنت ترى أن الشافعي رحمه الله يشدد على صحة العقود وأنه لا يفسدها ما يأتي بعدها أو قبلها ولا يفسدها غير عاقدها، وأن التهمة لا تصح وسيلة لإبطال العقود.

لكننا نجده في باب إحياء الموات يناقش قضية منع فضل الماء بعد أن أورد حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من منع فضول الماء ليمنع به الكلأ منعه الله فضل رحمته يوم القيامة)) قال الشافعي رحمه الله: وفي منع الماء ليمنع به الكلأ الذي هو من رحمة الله عام يحتمل معنيين: أحدهما أن ما كان ذريعة إلى منع ما أحل الله لم يحل، وكذلك ما كان ذريعة إلى إحلال ما حرم الله تعالى (٢) . قال الشافعي: فإن كان هذا هكذا ففي هذا ما يثبت أن الذرائع إلى الحلال والحرام تشبه معاني الحلال والحرام، وهذا تحريم منه للوسائل كما أشار إلى ذلك ابن السبكي رحمه الله حيث قال: قال الشيخ الإمام الوالد: إنما أراد الشافعي رحمه الله تحريم الوسائل لا سد الذرائع، والوسائل تستلزم المتوسل إليه، ومن هذا منع الماء، فإنه يستلزم منع الكلأ والذي هو حرام، ونحن لا ننازع فيما يستلزم من الوسائل، ولذلك نقول: من حبس شخصا ومنعه من الطعام والشراب فهو قاتل له وما هذا من سد الذرائع في شيء.

قال الشيخ الإمام: وكلام الشافعي في نفس الذرائع لا في سدها وأصل النزاع بيننا وبين المالكية إنما هو في سدها.

وعقب على ذلك صاحب كتاب أثر الأدلة بقوله: وهذا التحقيق سديد ووجيه فالقول بتحريم الوسائل التي تستلزم المحرم المتوسل إليه قائم على أساس يقرب من اليقين، بينما القول بسد الذرائع قائم في أغلب صوره على الظن والتوهم والتخمين، وشتان بينهما، ولأجل ذلك كان مسلك الشافعي رحمه الله تعالى أخذ الناس بالتهم، وإفساد تصرفاتهم بالظن مسلكا سليما وصحيحا يتفق مع ما دلت عليه نصوص الشريعة السمحة من أخذ المكلفين بظواهرهم، وترك سرائرهم إلى الله تعالى –كما أثبت الشافعي بما سقناه لك من كلام وبيناه في جلاء موقفه- وذلك كي تستقر للناس أحوالهم ويطمئنوا إلى تصرفاتهم، طالما أنها لا تصادم الشريعة في ظاهرها (٣) والله أعلم.


(١) انظر الأم ج٣/٣٣
(٢) انظر الأم ج٧/٢٧٢
(٣) أثر الأدلة المختلف فيها ص٥٧٩

<<  <  ج: ص:  >  >>