للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن الشافعي رحمه الله في كتابه الأم نص على عدم الأخذ بسد الذرائع، واتهم القائلين به بمخالفة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك لسببين أساسيين:

الأول: أن سد الذرائع مظهر من مظاهر الاجتهاد بالرأي وهو وأتباعه لا يأخذون من ذلك إلا بالقياس؛ لأن العلم خمس طبقات، نص عليها الإمام الشافعي بقوله: "العلم طبقات شتى: الأول: الكتاب والسنة إذا ثبتت، ثم الثانية: الإجماع فيما ليس فيه كتاب ولا سنة، والثالثة: أن يقول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قولا ولا نعلم له مخالفا منهم، الرابعة: اختلاف الصحابة في ذلك،والخامسة:القياس على بعض الطبقات،ولا يصار إلى شىء غير الكتاب والسنة وهما موجودان، وإنما يؤخذ العلم من أعلى (١) .

الثاني: أن الشافعي رحمه الله كان يرى أن الشريعة تبنى على الظاهر، وأنه يجب ألا نتجاوز في تفسيرها حكم النص، ولهذا قصر مصادر الأحكام الشرعية على الكتاب والسنة والإجماع وأقوال الصحابة، والقياس على النص ورفض الاستحسان وقال: من استحسن فقد شرع لأن الاستحسان لا يعتمد على النص في عبارته ولا إشارته، ولا دلالته، بل يعتمد على ما ينقدح في نفس الفقيه الفاهم لأصولها، وفروعها، ومصادرها، ومواردها، أو على روح الشريعة ومعانيها الكلية (٢) .

قال رحمه الله في الأم: "الأحكام على الظاهر والله ولي المغيب، ومن حكم على الناس بالأزكان (٣) جعل لنفسه ما حظر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. لأن الله عز وجل إنما يولي الثواب والعقاب على المغيب لأنه لا يعلمه إلا هو جل ثناؤه وكلف العباد أن يأخذوا من العباد بالظاهر. ولو كان لأحد أن يأخذ بباطن عليه دلالة كان ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن قال قائل ما دل على ما وصفت من أنه لا يحكم بالباطن؟ قيل كتاب الله ثم سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ذكر الله تبارك وتعالى المنافقين فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} قرأ إلى {فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} فأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتناكحون ويتوارثون ويسهم لهم إذا حضروا القسمة ويحكم لهم أحكام المسلمين، وقد أخبر الله تعالى ذكره عن كفرهم، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم اتخذوا أيمانهم جنة من القتل بإظهار الأيمان على الإيمان، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي إليه على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ به، فإنما أقطع له بقطعة من النار)) ، فأخبرهم أنه يقضي بالظاهر، وأن الحلال والحرام عند الله تعالى على الباطن، وأن قضاءه لا يحل للمقضى له ما حرم الله تعالى عليه إذا علمه حراما (٤) .


(١) انظر الأم جـ٧ ص٢٤٦
(٢) انظر سد الذرائع ص٦٨١
(٣) هو تفهم الشيء بالظن والتفرس
(٤) انظر الأم جـ٢ ص٤١-٤٢

<<  <  ج: ص:  >  >>