للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأصول التي اعتمد عليها القائلون بسد الذرائع:

استدل القائلون بسد الذرائع بشواهد كثيرة من الكتاب والسنة وعمل الصحابة هذه الشواهد تثبت هذا الأصل وتشهد للعمل به.

وقد أجاد وأفاض في الاستدلال لصحة هذا الأصل ابن قيم الجوزية في كتابه القيم إعلام الموقعين فذكر تسعة وتسعين وجها من الكتاب والسنة وعمل الصحابة تدل على منع الذرائع ثم قال بعد تحرير محل الخلاف فيها، والدلالة على المنع من وجوه فذكرها ثم قال: ولنقتصر على هذا العدد من الأمثلة الموافقة لأسماء الله الحسنى التي من أحصاها دخل الجنة تفاؤلا بأن من أحصى هذه الوجوه وعلم أنها من الدين وعمل بها دخل الجنة.

ولنذكر فيما يلي عددا من الأمثلة المذكورة:

أولًا: من كتاب الله تعالى: قال تعالى {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: ١٠٨] .

١- حرم الله سبحانه سب آلهة المشركين مع كون السب غيظا لهم وحمية لله وإهانة لأصنامهم لكونه ذريعة لأن يسب المشركون الله تعالى فكانت مصلحة ترك مسبة الله تعالى أرجح من مصلحة سبنا لآلهتهم، وهذا من باب المنع من الجائز لئلا يكون سببا في فعل ما لا يجوز.

٢- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: ١٠٤] نهى الله سبحانه وتعالى في هذه الآية المؤمنين من قول هذه الكلمة لئلا يكون ذلك ذريعة إلى أن يقولها اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم ويقصدون بها غير ما يقصده المسلمون يسبون بها النبي صلى الله عليه وسلم.

٣- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ} [النور: ٥٨] . أمر الله تعالى مماليك المؤمنين ومن لم يبلغ منهم الحلم أن يستأذنوا عليهم في هذه الأوقات الثلاثة لئلا يكون دخولهم هجما بغير استئذان فيها ذريعة إلى اطلاعهم على عوراتهم وقت إلقاء ثيابهم عند القائلة والنوم واليقظة.

٤- قوله تعالى لنبيه موسى وأخيه هارون عليهما السلام {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (٤٣) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: ٤٤] . فأمرهما تعالى أن يلينا القول لأعظم أعدائه وأشدهم كفر وأعتاهم عليه. لئلا يكون إغلاظ القول له مع أنه حقيق به ذريعة إلى تنفيره وعدم صبره لقيام الحجة فنهاهما عن الجائز لئلا يترتب عليه ما هو أكره إليه تعالى.

٥- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: ٩] . نهى سبحانه وتعالى عن البيع وقت نداء الجمعة لئلا يتخذ ذريعة إلى التشاغل بالتجارة عن حضورها.

<<  <  ج: ص:  >  >>