للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هل الأخذ بالذرائع مما اختص به المذهب المالكي أو أخذ بها كل المذاهب وإن لم تصرح؟ شواهد من فقه الأئمة الأربعة

سد الذرائع مقصد تشريعي عظيم استفيد من استقراء تصرفات الشريعة، كما قال شيخ الإسلام ابن عاشور –رحمه الله- (١) .

ويرجع هذا المقصد التشريعي العظيم إلى أصل تشريعي عظيم وهو النظر في مآلات الأفعال، وهذا الأصل وصفه الشاطبي بقوله: النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعا (٢) .

ولأهمية هذا المقصد التشريعي قال القرافي: فليس سد الذرائع خاصا بمالك –رحمه الله- بل قال بها هو أكثر من غيره، وأصل سدها مجمع عليه (٣) . ونازع التاج السبكي في كلام القرافي حيث قال: وزعم القرافي أن كل أحد يقول بها ولا خصوصية للمالكية إلا من حيث زيادته فيها.

ثم بعد استعراضه لتقسيم القرافي لسد الذرائع باعتبار ما أجمع عليه وما اختلف فيه التاج السبكي: قلت: وقد أطلق هذه القاعدة على أعم منها، ثم زعم أن كل أحد يقول ببعضها وسنوضح لك أن الشافعي لا يقول بشيء منها (٤) .

وملخص ما قاله السبكي في معارضة كلام القرافي: أن ما ادعاه الذين نسبوا للشافعي القول بسد الذرائع يقول بها الشافعي كما يقول بها سواه من الأئمة، مثل النهي عن منع فضل الماء ليمنع به الكلأ، ومثل الوصي يبيع شقصا على اليتيم فلا يؤخذ بالشفعة على الأصح عند الرافعي، ومثل المريض يبيع شقصا بدون ثمن المثل، وأن الوارث لا يأخذ بالشفعة كذلك على وجه سد الذرائع، ومثل المسائل المجمع على سد الذرائع فيها والتي ورد التنصيص على المنع فيها من الكتاب والسنة، مثل سب أصنام المشركين –وحفر الآبار دون سياج في طريق المسلمين- ووضع الطعام المسموم لهم. ومثلها مثل حبس الرجل دون إعطائه طعاما ولا شرابًا، وليس هو من سد الذرائع.


(١) انظر المقاصد: ١١٧.
(٢) انظر: الموافقات: ٩٨.
(٣) انظر: الفروق: ٢/٣٣ (ط. دار إحياء الكتب العربية. القاهرة ١٣٤٤هـ) .
(٤) الأشباه والنظائر: ١، ١١٩ (ط. دار الكتب العلمية بيروت ١٤١١هـ/ ١٩٩١م) .

<<  <  ج: ص:  >  >>