للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحرير محل النزاع:

لتحرير محل النزاع نقول:

نظر أصحاب الفريق الأول (من مالكية وحنابلة وإمامية) في الصور الممنوعة من بيوع الآجال فرأوا أنها صار البيع فيها صورة لا مصلحة فيه، بحكم أن المشتري لم يدفع ثمنا عاجلا بل مؤجلا وقبض نقدا أقل مما في ذمته، وما سمي بيعا إذا أمعنا فيه النظر سلف بإعطاء خمسة نقدا ليأخذ عشرة مؤجلًا، والقاعدة تقول: العبرة بالأوصاف والمعاني لا بالأسماء والمباني.

وقال أصحاب الفريق الثاني: هما في الظاهر عقدا بيع تامان، ولا يعنينا أمر الباطن، ولا يفسد العقد إلا من نفسه يعني بخلل فيه لا مما أحاط به أو تقدمه أو تأخر عنه، ولا يفسده توهم أو غلبة ظن أو نية سيئة، فالحاصل في الظاهر هو انعقاد بيع صحيح أول مستقل، ثم بيع ثان مستقل أيضا ولا خلل في هيكل العقدين ولا وجه لإبطالهما أو إبطال أحدهما.

ولو تأملنا فيما يؤول إليه موقف الفريقين لوجدنا أن الفريق الأول في محل النزاع هذا، يعتمد الأصل التشريعي القائل كما عبر عنه الشاطبي: النظر في مآلات الأفعال مقصود شرعا (١) .

في حين أن الفريق الثاني لم ينظر إلى مآلات الأفعال في هذا الموضوع، وإن حصل ذلك في مجالات أخرى منها ما يلي: فقد نظر الشافعية إلى مآل عدم قتل من تترس بهم الأعداء في حرب الكفار من أطفال ونساء وأسرى المسلمين، فقالوا: المآل حينئذ: ترك الجهاد والاستسلام للعدو ليستولي على ديار الإسلام، ولهذا قالوا بقتلهم إن لم يكن من ذلك بد باعتبار ذلك أخف الضررين وللإبقاء على حوزة الإسلام وبيضته.

ونظروا في مآل عمل الوكيل فقالوا: لا يبيع ما وكل له أمر بيعه لنفسه خشية اتهامه بالغبن في الثمن.

وكذلك قالوا: بحرمان القاتل من الميراث نظرا لمآل محتمله لعمله وهو ارتكاب القتل من أجل تعجيل الميراث.

وبإبطال البيع للحربي بضاعة اشتراها منا ويستعين بها على قتالنا، أليس في هذا نظر لمآل الأفعال؟

وبعد هذا هل بقي من شك في أن الكفة راجحة لجانب الفريق الأول الذي يقول بالأصول التشريعية، ويراعيها في التطبيقات على الفروع، وأن الكفة مرجوحة لجانب الفريق الثاني الذين لا يقولون ببعض هذه الأصول التشريعية، ولكنهم في أغلب التطبيقات يراعونها بل ويعللون الأحكام الفرعية بها؟


(١) انظر الموافقات: ٤، ٩٨ (ط. الدولة التونسية، ١٣٠٢هـ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>